زيد الحلي
دائما أسأل نفسي، كيف يسمح بعض الأشخاص لأنفسهم السكوت أمام حقائق يعرفونها، حين يتم ذكرها أمامهم بغير صورها ووقائعها؟.
والحق اقول، لم أجد صدىً لسؤالي، فما اراه واسمعه يزداد اتساعا، وكأنه اصبح حالة اعتيادية، والغريب ان هناك من يزرع اجابات غامضة، ويحيل الأمر الى طباع بشرية، وسلوك شخصي خاص.. وهناك من يزيد بالقول إن ذلك يمثل تواضعا، وأنا أسميه ضعفا وانتقاصا للشخصية.
لا أريد الاسترسال في هذا الموضوع، رغم اهميته، لكني أشير الى حالة غريبة لمبدع عربي، غادر الحياة منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، حيث سكت عن حقيقة هو بطلها في اثناء إحدى حفلات المطربة فيروز، عندما أعلنت المطربة الكبيرة أنها ستحيي أمسية مخصصة لإبداعات الاخوين رحباني، وحين بدأت الموسيقى، وصدح الغناء، يتفاجأ الملحن " فيلمون وهبه " الذي كان حاضرا، أن جميع ما غنت فيروز هي من ألحانه، وليست من ألحان الأخوين رحباني، لكن الرجل، بدلا من أن يستنكر هذا التجاهل، والقفز فوق اسمه، قام بالتوجه الى خشبة مسرح الاحتفال، مقبلًا وجنة فيروز!.
لقد غنت " جايبلي سلام" و" أسامينا" و"عالطاحونة"و" كتبنا وما كتبنا" و" يا مرسال المراسيل" و" يا دارة دوري فينا" و"فايق يا هوى"..
فهل ما قام به فيلمون وهبه هو نكران للذات، أم ضعفا في الشخصية؟ أقول: إن فيلمون وهبه أنساق إلى جبروت الشهرة العريضة لفيروز، فخاف منها، و لم يضع نفسه في الخانة الانسانية والإبداعية التي يستحقها.
إن هذا الملحن اللبناني الذي لُقب بشيخ الملحنين، كونه ظاهرة لحنية غريبة، فهو قدم أروع الألحان المميَّزة من غير أن يدرس الموسيقى، ودون أن يتقن العزف على العود، أو على غيره من الآلات الموسيقية، التي لا غنى لأي ملحن عن استخدامها، خلال ممارسة التلحين، وفي رأيي أن أغنية "طلعلي البكي نحنا وقاعدين" التي لحنها لفيروز، تبقى علامة مضيئة في الحياة اللحنية العربية، فهذه اللوحة التي غنتها فيروز وغناها كثيرون بعدها وعاشت سنوات، بكى كثيرون عند سماعها وعانق كثيرون بعضهم على ألحانها، ورسم البعض الآخر أحلامه عليها..
كم مثل فيلمون وهبه في زماننا الحالي؟.