{حنا مينا} يُعَلِّمُنَا درسَ الحياة

الصفحة الاخيرة 2024/04/17
...

زيد الحلي

من المعلوم أن الروائي الكبير "حنا مينا" (1924 -  2018) كتب وصيته قبل وفاته بسنوات، وكان يرفل بكامل الصحة، ونشرها في الصحافة السورية وسط ذهول الوسط الأدبي.
هل تعرفون بما أوصى الروائي الكبير؟
لقد قال (.. رغبتي أن لا يُحتفى بي ميتاً، وأن لا يبكني أحدٌ، ولا يحزن عليَّ أحدٌ وأن لا يقام لي حفل تأبين... باستثناء جنازة بسيطة وأربعة أشخاص غرباء يحملون النعش من دائرة دفن الموتى ثم يهيلون عليَّ التراب وينفضون من بعد ذلك... وكأنَّ أمراً لم يحصل!).
ولعل ما أثار الحزن والتساؤل والذهول عبارته الأخيرة في الوصية حيث قال (ليس لي أهل، لأن أهلي جميعاً لم يعرفوا من أنا في حياتي)
إنَّ القارئ لما هو غاطس في بحر سطور الوصية، يتلمس مقدار الاغتراب الذي يحس به هذا الأديب وجرعات الغدر التي يبدو أنه تلقاها، بحيث تبدو لك أنها جرعات لا يكاد يصحو من واحدة منها، حتي تنغرز أخرى في منتصف القلب إلى درجة حولته إلى مرفأ أحزان .. ولعل في وصيته ما يشيء بذلك، بالرغم من حصوله على تكريم رفيع المستوى، متمثلاً بوسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة المقدم من الرئيس السوري بشار الأسد قبل أعوام.. كما تم تكريمه بإصدار أمانة محافظة دمشق، كتاب بعنوان (حارس الشقاء والأمل) المتضمن نبذة عن حياته وأعماله.
المعروف عن (حنا مينا) محبته للعزلة، لكنها عزلة، منتجة، قرأنا له خلالها العديد من الأعمال مثل رواية (المصابيح الزرق) وثلاثية (الشراع والعاصفة والعقل وحكاية بحار) إنّها ثلاثيّة تؤكد أن للأدب رسالة ووظيفة، هي النفاد إلى جوهر الحياة، وتصوير أغوارها وصراعاتها ..
أكيد أنّه أقدم على فعلته عن وعي ليشير إلى واقع مؤلم يعيشه المبدعون في المجالات كافة، فكم من أديب رحل عنا بصمت مريب، واكتفينا برثاء أو حزن كاذب أو طالبنا بإقامة حفل كإسقاط فرض لتكريم إنسان ميت !..
مؤكداً أن "حنا مينا" أراد أن ينبه إلى حالة المبدعين المأساوية في وطننا العربي، فالرجل الذي حمل على أكتافه نحو تسعة عقود، ستون منها، كانت عطاءً ثراً، وهو أديب ملتزم، فلم يستأثر بحرية أحد، فذلك يتضارب مع الحب.. وما (حنا مينا) إلّا بحيرة من الحب
فهل نتعظ من وصية الكاتب الكبير؟