د. علاء هادي الحطاب
وجدت الانتخابات بعدّها آليَّة مقبولة لشرعيَّة السلطة وإنجاز مستوى جيد من العدالة في تحقيق العقد الاجتماعي بين الناخب والمنتخب؛ لذا وضعت الانتخابات من أجل تداول السلطة سلميَّاً وفق آليَّة متفق عليها وترضي طموح المشاركين فيها ناخبين ومنتخبين الى حدٍّ ما، كما وضِعَ لها سقف السنوات الأربع، أكثر أو أقل بحسب طبيعة كل نظام سياسي، ليكتشف الناخب صلاحية من انتخبهم في تنفيذ برامجهم الانتخابيَّة التي انتخبهم من أجلها، وحتماً لن تمر هذه السنوات من دون معوقات وعقبات وبالمقابل ثمة إنجازات، فالعقبات يحتاجها المعارضون وكذلك الانجازات يحتاجها الحاكمون وهذه آليَّة تضمن تحول السلطة من مجموعة إلى أخرى سلميَّاً.
في العراق لم تكمل حكومتان مددهما الدستوريَّة (الأربع سنوات) بسبب مطالبات الجمهور التي تماهت معها المرجعيَّة الدينيَّة وعدد من القوى السياسيَّة؛ لذا جاءت الانتخابات المبكرة لانهاء أزمة اجتماعية وسياسية كبيرة في حينها، واليوم تطل "الانتخابات المبكرة" برأسها بين الحين والآخر من خلال تصريحات وسلوك سياسي لمسؤولي أحزاب وكتل سياسيَّة، فضلا عن كونها وضعت مادة في البرنامج الحكومي الذي صوّت عليه مجلس النواب. المناصرون لفكرة "المبكرة" يسببون رغبتهم بوجودها كفقرة في البرنامج الحكومي ومعالجة أزمة التوازن الجماهيري في السلطة، وهذا ما أشار إليه علانيَّة بعض قادة الاحزاب، والمعارضون للانتخابات المبكرة يسببون رفضهم بضيق الوقت وعدم جدواها لقرب الانتخابات النيابيَّة المقبلة في موعدها الدستوري بعد إكمال السنوات الاربع، وإن وجدت المبكرة كفقرة في البرنامج الحكومي، فضلا عن عدم حاجة - الاستقرار السياسي- لإنجازها كونه متحققاً كما يرون ذلك.
الأهم من المبكرة أو في وقتها المحدد نهاية العام 2025 هو قانون الانتخابات، وهذا بحد ذاته تحدٍ كبير أمام القوى السياسية في إنجازه من عدمه، لخلاف وجهات النظر بين الفاعلين السياسيين داخل قبة البرلمان، فلكل قانون انتخابي سلبيات وايجابيات للقوى السياسية حسب تنظيمهم الحزبي، وتوزيع جمهورهم، ومدى التزام ذلك الجمهور بالخطة التوزيعيَّة لأصوات الناخبين، وبطبيعة الحال فإنَّ قانون الانتخابات يحدد مدى الاستقرار السياسي الذي سينتج عنه ذلك القانون من توزيع أوزان القوى السياسيَّة والذهاب بحكومة يشترك فيها الجميع أم حكومة أغلبية سياسيَّة مقابل معارضة سياسيَّة، إذ صار واضحاً أن المشهد السياسي الحالي انقسم بين فريقين أحدهما يرى الاستقرار السياسي في ثنائيَّة الأغلبيَّة السياسيَّة والمعارضة، وآخر يراه في مشاركة جميع القوى الفائزة أو أغلبها في الحكومة كما درج الواقع السياسي بعد العام 2003، فضلاً عن إرادة قوى الأغلبيَّة اليوم في فسح المجال لصعود المستقلين بعيداً عن كانتونات الاحزاب او بين حصر التنافس داخل الاحزاب الكبيرة، وهذا الأمر مختلف بشأنه أيضاً بين تلك القوى السياسيَّة، فكلا التجربتين لم تفضيا إلى سرعة اختيار الحكومة، فلا تجربة تنافس الأحزاب الكبيرة وحدها ولا وجود نواب مستقلين بعيداً عن توجهات وبرامج الأحزاب ذات الأعداد الكبيرة داخل البرلمان بإمكانه إنجاز سريع للسلطة التنفيذيَّة التي تخرج من رحم أصوات النواب.