جدلٌ بشأن لوحة مايكل أنجلو

ثقافة 2024/04/28
...

 إليزابيتا بوفوليدو

 ترجمة: كريمة عبد النبي


حلت قبل أكثر من شهر ذكرى ميلاد فنان عصر النهضة الإيطالي مايكل أنجلو النحات والرسام الذي ولد في السادس من مارس/ آذار من عام 1875. ويعد هذا الفنان أحد أعظم رسامي عصره والعصور التالية، إذ إن أعماله في هذا المجال تعد من الأيقونات البارزة في كل العصور.

وبهذه المناسبة تفكر عائلة سيرنيسي، المالكون السابقون لفيلا ذات عدد من الطوابق والمطلة على مدينة فلورنسا الإيطالية، حيث عاش مايكل أنجلو هناك عندما كان شابا، في طرح لوحة كبيرة الحجم منسوبه لهذا الرسام للبيع بالمزاد. ولم يتفق جميع خبراء ونقاد الفن على نسب هذا العمل لمايكل أنجلو حيث ظلت هذه اللوحة تزيِّن أحد جدران الفيلا المذكورة قبل أن يتم رفعها عن الجدار في عام 1979 ونقلها الى أحد المختبرات الفنية لغرض إجراء أعمال الترميم عليها بعد أن ظلت مهملة لفترة طويلة من الزمن. 

وحسب تقرير لصحيفة النيويورك تايمز الأمريكية فان الفيلا المذكورة تضم عددا من البنايات التي ضمت عددا من أعمال هذا الرسام الذي أنجزها في فترة شبابه. وقد أعلنت عائلة سيرنيسي ع بيع هذا العقار العام الماضي من دون اللوحة "موضع البحث"، إذ تفكر هذه العائلة الآن ببيع اللوحة المذكورة.

وقد أطلق المؤرخون على هذه اللوحة، المحفورة بالفحم أو الطباشير الأسود أسم "تريتون" وتعني (نصف آله عند الإغريق) ، وهو آله البحر وعلى شكل نصف رجل والنصف الآخر عبارة عن وحش.

وعلى مدى عقود تمت إعارة هذا العمل، كأحد أعمال الرسام مايكل أنجلو، الى عدد من المعارض الفنية في اليابان، كندا، الصين وأخيرا الى متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك عام 2017 بمبلغ تأمين وصل الى أربعة وعشرين مليون دولار.

ووصفت كارمن بامباخ، المؤرخة الفنية الأمريكية وأمينة متحف المتروبوليتان هذه اللوحة بأنها "العمل الفني الوحيد الذي تجلت فيه مهارة مايكل أنجلو كرسام بارع وعلى نطاق واسع". 

هذا وقد انتشرت أخبار عرض هذا العمل الذي بقيت ملكيته في أيادي خاصة بعيدا عن عيون عامة الناس لما يقارب الخمسة عقود من الزمن . وقالت سيسيل هولبيرج، مديرة معرض أكاديميا في فلورنسا "أنه عمل مثير للاهتمام ومن الضروري إجراء المزيد من التحقيقات" بعد أن تمت دعوتها من قبل عائلة سيرنيسي لإلقاء نظرة على هذا العمل الفني الكبير.

وأوضح مسؤولو وزارة الثقافة الإيطالية إن لهذا العمل أهمية وطنية كبيرة وهذا يعني أن هذا العمل الفني لا ينبغي أن يغادر الأراضي الإيطالية، إلا في حالة الإعارة فقط وأن للوزارة الحق في رفض بيع العمل إلا للدولة الإيطالية، وإذا كانت إيطاليا تريد بيع هذا العمل فمن الممكن أن يكون البيع لمتحف هولبيرج الذي يضم عددا من أعمال مايكل أنجلو الشهيرة في فلورنسا بينها لوحة "ديفيد".

وفي كل الأحوال فان القوانين الثقافية الإيطالية الصارمة تمكنها من فرض عدد المشترين للأعمال الفنية وكذلك تقدير قيمة هذه الأعمال. ونادرا ما تعرض أعمال كبار فناني عصر النهضة الإيطاليين، ومن بينهم مايكل أنجلو، للبيع. 

وفي حالة حدوث ذلك فان الأسعار قد تصل الى أرقام خيالية كما حدث في عام 2022 حين تم بيع رسم تخطيطي لهذا الرسام في مزاد كريستيز بمبلغ 23 مليون يورو.

ويقول كارلو أورسي، وهو وسيط فني في عمليات بيع الأعمال الفنية في ميلان ولندن "إن القوانين الصارمة المفروضة على تصدير الأعمال الفنية الإيطالية تجعل من مقتني الأعمال الفنية الأثرياء في إيطاليا غير راغبين في الشراء إذ سيكون من الصعب، بل من المستحيل عليهم، العثور على زبائن يمكن أن تشتري هذه الأعمال بمثل هذه الأسعار الخيالية إذ لا يمكن لمثل هؤلاء الزبائن نقل هذه الأعمال الى بلدانهم.

وعلى الرغم من أن العائلة المالكة لهذه اللوحة رفضت وضع بطاقة سعر على هذا العمل، الا أن إلاريا سيرنيسي، وهي عالمة أحياء متقاعدة التي إبتاعت عائلتها هذه الفيلا في سبعينيات القرن الماضي كما أنها أحد المالكين الستة لهذه اللوحة، أشارت الى أن قيمة التأمين على هذا العمل حين تم نقله الى متحف المتروبوليتان وصلت الى 24 مليون دولار.

في نهاية القرن التاسع عشر باع أحفاد مايكل أنجلو هذا العقار الى كونت فرنسي . وقد مر العقار بسلسلة من عمليات البيع قبل أن يصل الى يد مشتري أمريكي الذي تركه بدوره الى ورثته من الإيطاليين ليصل في نهاية المطاف الى عائلة سيرنيسي.

ويبدو أن سلسلة المشترين لهذا العقار، قبل أن يصل الى عائلة سيرنيسي، لم ينتبهوا الى أهمية هذا العمل الفني حيث أوضحت العائلة أنها حين إبتاعت هذا العقار كانت اللوحة مدار البحث في حالة يرثى لها.

وبعد إجراء عمليات الترميم على اللوحة استعادت العائلة هذا العمل، وتم تعليقه على جدران غرفة المعيشة، قبل أن تقرر العائلة أن من الأفضل حفظ هذا العمل في مكان أكثر أمنا، حيث تم نقله الى مستودع محمي يقع في ضواحي مدينة فلونسا.

 في المرة الأولى التي بدأت فيها هذه اللوحة جولتها في المعارض الفنية، تضمن سجل الزوار كلمات للعديد من الشخصيات التي نسبت هذا العمل للرسام مايكا أنجلو، ومن بين هذه الشخصيات جيورجيو بونسانتي، وهو خبير في فن عصر النهضة والذي أشرف على عمليات ترميم هذا العمل الفني في عام 1979، حيث قال "إن هذا العمل يعود لمايكل أنجلو، إذ لا يمكن أن أتخيل أن يدخل أي شخص غير مايكل أنجلو الى هذا المنزل ويرسم أي شخصية، حتى ولو على جدار مطبخ المنزل". 

وقد رجح الكثير من خبراء الفن أن يكون مايكل أنجلو في العشرينات من عمره حين أنجز هذه اللوحة .

وقد أوضحت إلاريا في ختام حديثها "نحن قدمنا كل هذه التفاصيل في الوقت الحالي، لكننا لم نقرر أي شيئ بعد". 

كما أشارت الى أن القيود الإيطالية الصارمة والمفروضة على تصدير الأعمال الفنية الى الخارج تؤثر كثيرا في تخفيض قيمة العمل الفني، إذ إن الكثير من الناس سيرغبون بتخفيض مبلغ البيع، لكن  من المؤكد أن هناك حدودا لا يمكن لنا أن نتخطاها".


عن صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية