{المترجمون}.. الوجه القبيح لصناعة الكتب

ثقافة 2024/04/29
...

علي حمود الحسن

شيق ومثير بأحداث مبتكرة وإن كانت خيالية، هذا بالضبط انطباعي الأول بعد مشاهدة الفيلم الفرنسي "المترجمون" (2019) للمخرج ريجيس روبنسار، الذي تزامن توزيعه مع انتشار وباء كورونا، فمر مرورا عابرا، الفيلم الذي مثل فيه الفرنسي لامبرت ويلسون، وأولغا كوريلينكو، وباتريك باوتشاو، واليكس لوثر..  فيما صوره غيوم شيفمان، وألف موسيقاه جون مياكي. يحكي قصة دار نشر فرنسية كسبت شهرتها من اصدار جزأين من رواية، حققت نجاحا واسعا وتهافت الناس على شراء اجزائها، ما جعل مديرها أريك (لامبرت ويلسون)، يعلن أن الجزء الثالث سينشر ويترجم الى معظم لغات العالم الحية، يتعاقد مع تسعة مترجمين من بلدان مختلفة بشروط غرائبية؛ ليس أقلها الاعتزال في قبو قصر منيف، يملكه رأسمالي روسي يخشى نهاية العالم، تحت رقابة مشددة من قبل موظفين روس.. يتمتع المترجمون بكل ما لذ وطاب، شرط ان يترجم  كل واحد منهم عشرين صفحة يوميا، ويسلمها الى الناشر، وتأكيدا على السرية يصادرون هواتفهم النقالة، ويمنعون عنهم الانترنت، يسير كل شيء بشكل طبيعي، وعلى الرغم من رتابة المهمة، إلا أن رسالة  تهديد تصل الى هاتف الناشر الجشع، الذي جمع عشرات الملايين من الرواية، ويأمل بالحصول على ثروة مضاعفة، وذلك بإصدر الجزء الثالث بتسع لغات عالمية معتبرة، فيجن جنونه ويصرخ من سرب الصفحات العشرين  من الرواية، تنقلب الحال الى جحيم، ويتهم المترجمون التسعة بأن احدهم هو الفاعل، يتعرضون الى الإهانة والضرب والقتل أحيانا، نكتشف أن أحدهم سرب ذلك، تثور ثائرة الناشر ويقتل احد المترجمين، يدخل  الناشر السجن ويطيح به اليكس (اليكس لوثر)، الذي نكتشف انه هو مؤلف الرواية. هذه الأحداث هي مجمل قصة الفيلم التي كتب السيناريو لها ثلاثة مؤلفين بضمنهم المخرج.
اعتمد المخرج الفرنسي ريجيس روبنسار(1962) أسلوبا بوليسيا، من خلال مسار سردي تشويقي حافل بالمفاجآت، فثمة المترجمون التسعة المتهمون بتسريب صفحات الرواية، الذين يتسرب اليهم الشك، وبعضهم ينهار ولا يتحمل الإهانة حينما يعريهم الناشر، وآخرون يتعرضون للضرب، هذه الاحتدامات والحوارات المكثفة والمثيرة شحنت النص البصري بالتوتر، وإن كانت الكثير من الأفعال غير مبررة ولا منطقية،  اذ  تتنقل كاميرا محمولة بينهم، وتقتفي اثر حركاتهم ونقاشاتهم.. وساعد المونتاج في تسريع إيقاع الفيلم، الذي يتسرب الملل أحيانا الى مبناه السردي.  نجح المخرج وممثلوه الرائعون، لا سيما الفرنسي لامبرت ويلسون (الناشر الجشع والعنيف) الذي كان بمثابة مايسترو لضبط ايقاع أفعال وحوارات الممثلين التسعة، الذين نجحوا في تجسيد القلق ورفضهم للمعاملة كعبيد، باعتبارهم ذوات واعية وحرة، اذ تألقت الروسية كاترينا (أولغا كوريلينكو)، والإيطالي داريو (ريكاردو سكامارسيو) واليوناني اليساري المهان والساخر، في الوقت ذاته كونستانتينوس(جسده بحضور مانوليس مافروماتاكيس) ، فيما قدم اليكس لوثر دورا مميزا ومثيرا، اذ نكتشف انه هو من دبر كل ذلك، انتقاما من هذا الناشر الجشع والمستغل، تتجمع كل خيوط الحبكة، التي اجاد كتاب السيناريو هندستها، ليأتي الحل صاعقا، اذ نستعيد اللقطات الافتتاحية لاحتراق مكتبة التي يمتلكها الكتبي العجوز، الذي يحاول كبح جماح الناشر بالاستحواذ على حقوق المؤلف، فيدفعه من اعلى السلم ويحرق مكتبته، لنكتشف أن هذا الكتبي الجميل ( جسده بجمال باتريك باوتشاو)، هو الاب الروحي للطفل الكس، الذي من خلال اشرافه كتب الرواية الشهيرة، تضافر المونتاج الخلاق والاضاءة، التي يحرص عليها روبنسار وجدلية الحوار، فضلا عن الموسيقى التي ألفها.. لينتج فيلما مشوقا بموضوعة مبتكرة.