{الحارس} في مذكرات قاسم حول

ثقافة 2024/05/13
...

علي حمود الحسن

قرأت بشغف ومحبة مذكرات المخرج العراقي المخضرم قاسم حول ، المعنونة بـ " مذكراتي" الصادرة عن دار طريق الحرير للطباعة والنشر، التي اوصلها لي متفضلا الفنان التشكيلي والشاعر جميل سامي حول في زيارتي الأخيرة إلى البصرة، فكانت سياحة في تاريخ السينما العراقية، من خلال عين بصيرة ذكية ورائدة، اذ غطت صفحاتها كواليس صناعة الأفلام والثقافة في أربعينيات، وخمسينيات، ومنتصف سبعينيات القرن الماضي، فكل صفحة تفاجئ القارئ والمتخصص بكم المعلومات والاسرار غير المنشورة سابقا، التي لا نعرفها عن صناعة افلامنا التي لم تجد بوصلتها حتى اللحظة.
 المذكرات التي سطرها صاحب " بيوت في ذلك الزقاق" بأسلوب ممتع يجمع بين رصانة الادب وتشويق الكتابة الصحفية، التي برع فيها حول ناقدا مميزا ومديرا للصفحات الثقافية في صحافتنا المحلية، تضمنت كواليس صناعة أفلامه، وكم ادهشتني طريقة تفكير جيل الرواد، الذين اردوا ان يؤسسوا منهجا صحيحا لبناء السينما المحلية، وان كان بأبسط الميزانيات وافقرها، إذ أسسوا شركات وفرقا مسرحية لإمداد أفلامهم بالممثلين، كذلك اطلقوا مجلات متخصصة بالفن السابع، لاسيما أن معظمهم - يعدون على الأصابع – حصلوا على تعليم عال من اميركا وبلدان الغرب، منهم عبد جبار ولي، وجعفر علي، وكاميران حسني .
 تعد شركة " أفلام اليوم " التي أسسها قاسم حول نموذجا لهذا النوع من الحراك التنويري، فبالإضافة إلى شركة "أفلام اليوم" كانت فرقة "مسرح اليوم" إلى جانب مجلة "سينما اليوم"، التي أشرف على تحريرها قاسم حول ونجيب عربو، هذه المؤسسة انتجت باكورة افلامها " الحارس" (1967) للمخرج خليل شوقي -اول تجربة سينمائية له- الفائز بالتانيت الفضي لمهرجان قرطاج الدولي، الذي هو باتفاق الجميع واحدا من اهم الأفلام العراقية حتى يومنا هذا، اذ تقاسم بطولته مكي البدري وزينب وكريم عواد وسليمة خضير، صوره نهاد علي ومنتجه شيراك واداره فنيا إبراهيم جلال، ووضع موسيقاه التصويرية حميد البصري.. الفيلم مقتبس من قصة كتبها قاسم حول، وحوَّلها إلى تمثيلية تلفزيونية ناجحة، ثم طورها إلى قصة سينمائية، ألغى خليل شوقي الحوار وأعاد كتابته بنفسه، كما كلف نجيب عربو لكتابة السيناريو، وقتها اختار الانتاج محلة الكريمات في الكرخ للتصوير، فهب أهالي المحلة لمعاونتهم، حتى أنهم نظفوا درابينهم يوميا، وتكفل المخرج إبراهيم جلال بالحصول على جميع الموافقات التي لم تكن سهلة يومئذ، اذ واجهت الإنتاج مشكلات عديدة، وكان فريق العمل يذللها باستمرار، فمثلا تطلب أحد المشاهد صراع ديكة، شرط أن يكون ديك مكي البدري هراتي اسود، حصلوا عليه بمعجزة، ونجح المشهد وتركوا الديك في مكان التصوير على امل مواصلة تصويرمشاهده في الغد، جاء حول وفريق العمل إلى الموقع، فسألوا عن مصير الديكة، فأجاب أصحاب الموقع بالشكر والعرفان، أنهم ذبحوها وطبخوها، وهم يشكرونهم على هديتهم الدسمة، ولم تنفع محاوت الإنتاج في إيجاد شبيه له، لكنهم عثروا على دجاجة سوداء، وحاولوا صناعة عرف لها من الطين الاصطناعي من دون جدوى، فيما اقترح اخرون شراء ديك ابيض وصبغه  بـ" البويه" .
 تقرر عرض "الحارس" في سينما الخيام في 5 حزيران عام 1967، ولو تحقق ذلك لكانت خسارة شركة "سينما اليوم " فادحة، اذ يصادف هذا اليوم هزيمة حزيران، وشاء الحظ السعيد أن " الشيتات "(ملصقات)، الفيلم التي صممها الفنان التشكيلي صادق سميسم، قد حجزت في سوريا فتأخرت أياما، ما أجل عرض الفيلم في صالة الخيام التي تم حجزها للعرض .
 وذكر حول في " مذكراتي" انه استدان من أبيه ألف دينار، ووعده بتسديدها حال نجاح الفيلم، وحينما ارسل له صاحب "الاهوار" ملصق الفيلم، انصعق الرجل وقال: أيعقل ان تكون هذه الصورة ثمنها ألف دينار بالتمام والكمال، لكن اساريره انفرجت وهو يشاهد تومان (الاسمر) يتبختر في شوارع البصرة مرتديا زي الحارس، وهو يصرخ زاعقا : " تعالوا شوفوا قصة حب الحارس الفقير للأرملة الجميلة" لينهي وصلته التسويقية بالحان تطلقها " الفيفرا" من انفه العجيب.