أحمد عبد الحسين
لماذا يُعدّ الحراك الطلابي العالميّ المساند لغزة فعلاً ثورياً؟ ألم يصل الناس بعدُ إلى اليأس من الثورة "بمعانيها التي أسسها اليسار" ومما تسفر عنه الثورات؟
منذ إنشاء الكيان الصهيوني، بل قبل ذلك، أخذت الآلة الإعلامية الغربية على عاتقها مهمة إنشاء واقع موازٍ في أذهان الغربيين عما يحدث في الشرق الأوسط، فكان كل شيء يجري تحت عنوان "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وكُرّرت بإلحاح إلى حدِّ الملل الصيغ التلقينية عن العربيّ ورفيقه الجمل في صحراء مترامية الأطراف. مئات الأفلام السينمائية التي هي جرائم حرب مشغولة باحتراف فنيّ نوّعتْ على هذا المشهد ورسختْ فكرة احتقار العربيّ وازدرائه. وحتى حين كان يُتعاطف معه أحياناً، فلكونه أيقونة فولوكلورية ليس إلا.
كان كلّ شيء في إعلام أميركا ونشاطها السينمائي بخاصة؛ مصمماً ليفقد الناس هناك قدرتهم على إدراك الواقع. ومع حلول الانقلاب التواصلي الهائل الذي جعل المعلومات متاحة بالمجان أمام سكّان الكوكب، شهدنا ونشهد ظهور ما أسماه جورج اورويل بـ"الأخ الأكبر" ذي العين التي تراقب كلّ ما يحدث وتُقصي ما لا يراد له أن يظهر. فمن يسيطر على فضاء المعلومات ويتحكم بما يُنشر وبكيفية نشره هو الذي سيكتب الحكاية أخيراً.
الآن، في ظلّ وضع يذكّرنا برواية "1984" الكابوسية، يظهر جيل ثائر على جامعات غربية لها علاقات بصانع القرار في دولها كما لها علاقات وثيقة بالكيان الصهيوني، ليؤسس ثورة طلابية كبيرة في زمن انحسار الثورات وانزواء الثائرين.
الطلبة في كل العالم مقياس حساس جداً للانقلاب المقبل. ففي ثورة الطلبة بباريس سمة 1968 أجبر الشباب أساتذتهم على أن يصغوا لهم وأن ينخرطوا معهم في الحراك وأن يصبحوا هم التلامذة. ونحن نتحدث عن أساتذة هم خيرة عقول العالم أمثال فوكو ودولوز وسارتر، ليسهم هذا الحدث في صنع معنى جديد للحياة في فرنسا والعالم. لأن الطلبة عرفوا أنّ "الحياة هي في مكان آخر" وهذا هو الشعار الذي رفعوه والذي سيكون عنواناً لواحدة من أهم روايات القرن العشرين لميلان كونديرا.
طلبة أميركا وأوربا الثائرون ضدّ استغفالهم واستغفال آبائهم وأجدادهم لمدة قرن كامل هم مقياس ما سيحدث في المستقبل القريب، وهم الدليل على أنّ المعنى الزائف الذي أعطي لهم عن فلسطين انتهت مدة صلاحيته حين أخذ هؤلاء الصغار ينشئون لأنفسهم معنى جديداً مستمداً من ضمائرهم ومما يرون ويسمعون.
وهذه هي الثورة الحقيقية.