عبد الغفار العطوي
الجمهور مصطلح برز حديثاً في عالم المفاهيم المعاصرة، من كونه أصبح يحمل معايير مختلفة في الكون الرقمي، لأنه ارتبط بمهارات عدّة توزعت بين اختصاصات العلوم الإنسانيَّة، وفي علاقتها بمفهوم التسويق الرقمي الذي اتسم به عالم اليوم، ونما مفهومه على أعقاب الثورة العالمية للاتصالات،
في كتابه (الكون الرقمي) يضع (بيتر بي سيل) فكرة الاتصالات في خدمة العالم المعاصر الذي بدا غير قادر على الاستغناء عن ثورته العلمية المتسارعة التي غيرت من معالم الحياة المعاصرة، وصار عالم تكنولوجيا المعلومات القائمة على الكومبيوتر يمثل نمطاً من التفكير بحتمية صناعة نوع من الناس، يشكلون صورة جديدة اسمها الجمهور، إذاً ما الجمهور؟ في الكتاب الجديد من نوعه (الجمهور- التسويق في عالم رقمي جيفري جيه روز) يعرض لنا هذا المصطلح الذي يرتبط بعمليات الحتمية والتنمية، والتسويق، في عالم أصبح يتخذ مسار الرقمنة في تسويق متطلبات مجتمعه، لذا يرتبط بخاصية (الجمهور) بأنها حتمية أصولية ولدت لغرض صناعة فئات معينة من المتابعين الذين يشتركون في (الرؤى السلوكية مايكل هالزوورث والزيت كيركمان) التي تجعل منهم ينتمون لعقلية تفكير واحدة في النظر لـ(المكانية الرقمية أهمية الموقع في عالم متشابك أريك جوردون وادريانا دي سوزا أي سيلفا) من أنها تعطيهم اشتراكات في موارد الإنتاج والتسويق، والتنمية الحرة (التنمية حرية مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر امارتيا صن) ويتم التواصل المنظم معهم عبر وسائل وقنوات محددة، عبر انسلاخهم من مجتمعاتهم الكبيرة المترهلة وفق التغيرات الاجتماعية التي تواكب حركة التطور الرقمي للعلم (الحركات الاجتماعية دوناتيلا ديلا بورنا وماريو دياني) إذاً الجمهور هو الأساس الذي تبني عليه الشركات علاقاتها، فتنمية جمهور خاص تعني جهداً شاملاً وتعاونياً، متعدد القنوات، في تشكيل متابعين ناجحين يزاولون الاهتمام نفسه، ولعل حرصك في أن تبني جمهوراً خاصاً لك أفضل من جمهور منافسيك فإنك تكتسب ميزة كبيرة، كي يكون بمقدورك جلب عملاء نحو عتبة بابك بضغطة زر، بينما يظل منافسوك يتقاتلون من أجل الحصول على أماكن أفضل للإعلانات والمزايدة على الكلمات المفتاحية، الجمهور الذي كسبته في المنافسة يسمح لك بعد ذلك بجملة من الفوائد منها- الوصول إلى العملاء الحاليين، والعملاء المرتقبين، بتكلفة أقل، وأن تكون لديك خاصية دفع المبيعات بأسلوب يعتمد على خاصية الطلب، وهذا يعني أن تتعامل مع العملاء بوصفهم أفراداً، وليسوا أشياء مجهولة، ولهذا فتحقيق الاستفادة بصورة مثالية لميزانيتك المخصصة لوسائل الإعلام المدفوعة والمملوكة يعطيك فرصة للتقدم، فاختيار الجمهور يسهل عمليات التسويق الرقمي، ومثلما توجد مسألة أصولية في تنفيذ حتمية خلق جمهور خاص متعدد الانتماءات قبل رقمنته، لا بد من إيجاد جمهور متطلع لحدود إجماعك، ويمكن توفير عمليات تواصل بين الشركات وجمهورها المتحمس، وذلك عبر طريقين، يمكننا عدهما ضمن فلسفة صناعة الجمهور الرقمي، فطالما احتيج للفلسفة الرقمية في السيطرة على جمهور، يزداد حجمه مع تزايد عمليات التنمية والتسويق (بمن فيهم الجمهور الخاص جداً كالرياضي والثقافي) فالطريق الأول الذي يبتدئ من صناعة جمهور متخصص موزع بين مراتب، هم عبارة عن (جماهير خاصة) من الباحثين والمروجين والمنتسبين، على أن يتفرد من هذه الجماهير تيار من كبار الشخصيات التي تخضع لهذا التصنيف، فخلق الجماهير بالشكل الذي تفرضه عمليات التسويق تحددها فلسفة الجمهور، فما دامت الفلسفة قد دست أنفها في هذا المجال التسويقي، فإنَّ علينا إبراز القيم التنموية في عالم يحركه فهمنا لنوع من العولمة الثقافية التي بدت في صياغة معالم الحياة المعاصرة في هيئة جمهور (نحو فهم للعولمة الثقافية بول هوبر) في هذا الطريق تبدو الشركات والمؤسسات التي تتزعم خلق فرص في زيادة رقعة الجذب التسويق الرقمي للجماهير، أن تمد بعلاقاتها عبر خلق مشروع مشترك متبادل بين نشر فلسفة الجماهير الرقمي والربط بينها وبين جمهورها عبر قنوات التواصل، فهذا العالم مترامي الأبعاد ما عادت تحكمه سوى الوسائل الرقمية، حيث يتحدث مؤلف الكتاب المدهش (الدرجات الست وأسرار الشبكات علم لعصر متشابك دانكن جيه واتس) عن خفايا عصرنا المتشابك الغامض الذي تربط أجزاءه عمليات التسويق الرقمي، تلك الأجزاء التي تشبه عوالم صغيرة، هي بأمس الحاجة لفهمنا لفلسفة رقمية للجماهير الخاصة التي يجب أن نستخدم قنوات التواصل معها بدءاً من الموقع الإلكتروني (الموقع الإلكتروني: مركز الجذب في مجال التسويق، والبريد الإلكتروني للجمهور من أجل أن تتم عمليات التسويق (بما فيها عملية الإعلام والميديا المملوكة والمدفوعة التكاليف) وبعدها تأتي القنوات الأخرى التي تميل لشخصنة الربط بين المؤسسة والجمهور، الفيسبوك الشخصي، تويتر في الوقت الفعلي الذي يتطلب عملية التسويق السريع والرسائل النصية القصيرة التي تعمل على تأكيد عملية التواصل واستخدام الصور المتحركة في إنستغرام، ومن وسائل فلسفة الجمهور الرقمي، الحث على ابتكار مواقع ومدونات (بلوكرات) بأسماء أخرى مستعارة تشجيعية، إضافة إلى إنشاء قنوات خاصة على اليوتيوب، لأنَّ حتمية بناء أصول جمهور خاص بكل شراكة تسويقية أنتجتها فلسفات العلوم الإنسانية التي تحرص على رقمنة العالم المتخصص هو المطلوب من تشكيل الجماهير الخاصة، ولعل الطريق الثاني الأصعب في خلق الجمهور، من ناحية التعارض بينه (في معرض التسويق) وبين الفلسفة القديمة للجمهور، تلك التي ما زالت تقدم له خطاباً مؤدلجاً دون أن تحسب للتغير الاجتماعي حساباً (الخطاب والتغير الاجتماعي نورمان فيركلف) فالعولمة الثقافية تهيمن على مؤسسات الشراكات التسويقية، وتتدخل حتى في سياسة الدول الكبرى في جوهرها الاستراتيجي، لأنَّ تلك العولمة تختلف عن كل أنماط (العولمات السابقة) من ناحية تعلقها بالأطر الثقافية عبر تاريخها المعقد (العولمة الثقافية ص26) لهذا تواجه فلسفة الجمهور صعوبات جمة، من بينها إيجاد تخطيط استراتيجي في تشكيل الجمهور يتلاءم مع عمليات تنمية الجمهور الخاص الذي لن يكون بديلاً عن الأبنية العامة في المجتمع السليم (بتعبير إريك فروم) من جهة العناية بصناعة الجماهير وإشراكها في صناعة التسويق الرقمي، الصعوبة في عقدة زيادة توسعة الجمهور الخاص من دون فرض حدود ثخينة بين أصنافه، فهناك بالتأكيد درجات في هذا الجمهور الذي يختلف كماً ونوعاً في تعاطيه مع عمليات التسويق الرقمي في عالم صاخب مكتظ.