ذو الفقار يوسف
يراقب أغلب العراقيين منذ أكثر من عشرين عاما مدى فعاليات الحكومات المتعاقبة على مر تلك السنوات، منهم من يحاول أن يلتمس ذلك التغيير الذي يجعله يعيد ثقته بحكومته، آخرون قد وضعوا اليأس نصب أعينهم لمدى ما شاهدوه من حقب زمنية جعلت العراق في تراجع، إلا أنهم اليوم في خضم تغيير آرائهم، عندما يتعلق الامر بالحكومة الحالية.
وباستطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" الدولية للاستطلاعات في قياس ورضا الشعب العراقي وثقته بمؤسسات الدولة، ولما حققته في حكومة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، اذ حملت النتائج أرقاما قياسية تخطاها السوداني، حيث حصل على تأييد 69 % من العراقيين، وهو أعلى تأييد يحصل عليه رئيس وزراء عراقي منذ بدء استطلاعات الرأي في 2012، كما أن الثقة بقيادة الحكومة ارتفعت من
13 % في عام 2019 إلى 51 % في 2023.
عودة الثقة
اما في الشرق الاوسط وافريقيا فقد جاء العراق بالمرتبة الثالثة بنسبة الثقة بالحكومة منذ تولى السوداني منصبه في تشرين الأول 2022 بعد سنوات من الاضطرابات المناهضة للحكومة والاحتجاجات والعنف، فيما ارتفعت ثقة العراقيين في الشرطة المحلية إلى 82 ٪ في العام الماضي، وهو أعلى إجمالي على الإطلاق، ووصل الدعم للجيش أيضا إلى 82٪، أي ما يعادل رقما قياسيا سابقا من عام 2009، فيما حققت الثقة في النظام القضائي بنفس الاتجاه، وإن كان على مستوى أقل: كان 57 ٪ من العراقيين يثقون في قضائهم، وهو أعلى إجمالي منذ أكثر من عقد من الزمان.
حكومة خدمات
يوضح المحل السياسي والأمني مخلد حازم، انه "منذ تسلم السيد محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء كانت هنالك رؤية واهداف واستراتيجيات واضحة المعالم، قد وضعها ووظفها ضمن البرنامج الحكومي له، وقد أعطى مسمى لهذه الحكومة وهي "حكومة الخدمات" لذلك بدأ السيد السوداني مناغمة الشارع العراقي والمواطن العراقي، وبدأ من قاعدة الهرم وليس من قمته، فالذي دائما يبدأ به رؤساء الوزراء، والذي تنتهي بأن تكون هنالك مشاريع متلكئة، ومشاريع لا تنجز، فبالتالي حقيقة كانت هذه الرؤية واقعية، سواءً على الداخل العراقي أو الخارج".
مشيرا إلى أنه "عمل على أن يكون لديه فريق عمل متكامل، ضمن تقديم الخدمات وما يحتاجه المواطن".
يضيف حازم لـ(الصباح)، ان "ما قام به السوداني حقيقة يحسب له، فهو قد عالج الكثير من المشاريع المتلكئة، ولم يصب اهتمامه على محافظة وترك الأخرى، وساوى بين جميع المحافظات".
منوها بأننا "نراه يوما في هذه المحافظة، سواءً في المنطقة الغربية أو الشمالية أو الجنوبية أو الوسطى، ولديه فريق عمل حكومي وبرنامج واضح المعالم، اذ بدأنا نرى يعني بوادره سواءً من المجسرات التي فكت الكثير من الاختناقات، وبالتالي اعادة تأهيل البنى التحتية بمشاريع استثمارية، من خلال توقيع استثمارات مع شركات كبيرة عملاقة خارجية ومن خلال مذكرات تفاهم، وخلال زيارته الأخيرة لواشنطن التي كان لها دور مهم في عقد اتفاقيات، ومذكرات تفاهم في موضوع الطاقة والغاز المصاحب، والكثير من المشاريع".
دبلوماسيَّة منتجة
يؤكد حازم أنه "يحتاج إلى فترات زمنية للاكتفاء الذاتي في موضوع الغاز، وكذلك الاستثمار في حقول النفط، إلا أنه لأول مرة يستشعر المواطن العراقي بأن هنالك عملا واضح المعالم، بالرغم من التأثيرات التي رافقت ملف الإعمار، ويسبب له تأخيرا في انجاز اعماله، ولكن المواطن لم يستشعر غضباً أو يضجر مما يحصل، لأن لديه أملا بان هذا الموضوع مؤقت، ومن ثم سوف يكون بداية أفق جديد لحلول تصب في مصلحة المواطن".
ويستدرك حازم بحديثه، أن "السوداني عمل وفق السياسة الدبلوماسية المنتجة مع جميع دول المنطقة والاقليم والمحيط ودول أوروبا، فكانت هذه السياسة هي سياسة ناجعة حقيقية في جذب الاستثمارات إلى العراق، وفي الوقت نفسه حارب الكثير من ملفات الفساد الموجودة في الداخل والبيروقراطية، التي كانت تؤثر في عمل الشركات الاستثمارية، وقد أشرف بنفسه على الكثير من المشاريع، بعيداً مما كان يحصل من رشى، كانت تقدم من قبل اصحاب الشركات إلى القائمين على المشاريع أو الذين يطرحون هذا المشروع، فقد وقف بنفسه من خلال بناء دوائر رصينة في دائرة الاستثمار وغيرها من المجالات، وهنالك مراقبة على كل هذا العمل في المجمل، لذلك سنتطلع في المراحل القادمة والسنين القادمة، متيقنين بأن هنالك تغيرا واضح المعالم، قد طرأ على الواقع العراقي والبنى التحتية العراقية، وكذلك الاستثمارات في العراق، وخصوصا بغداد، لذلك أنا اعتبر أن هذه الحكومة حققت انجازًا وبصمة تذكر لمحمد شياع السوداني".
تنوعٌ اقتصادي
اما الخبير المالي والاقتصادي الدكتور صفاء قصي عبد الحليم، فيبين، أن "سياسة حكومة محمد شياع السوداني تذهب باتجاه تطوير قطاع الخدمات، خاصة على مستوى البنية التحتية، مثل تحلية المياه وإنجاز موضوع فك الاختناقات، من خلال تنفيذ مجموعة من مجسرات في العاصمة بغداد وبقية المحافظات".
مشيرا إلى أن "اهم ما يميز هذه المرحلة هو ارتفاع احتياطيات البنك المركزي إلى اكثر من 113 مليار دولار، وتخفيض ديون العراق الخارجية إلى 8 مليارات 900 مليون دولار، بمعنى أن العراق ماضٍ باتجاه دعم قيمة الدينار العراقي والاستثمار في التنويع الاقتصادي، وعملية الاستمرار بالإنفاق على بناء ميناء الفاو، وإمكانية جذب استثمارات محلية واقليمية ودولية على طريق التنمية المساهمة في تخفيض البطالة، وبالتأكيد التنويع الاقتصادي، وهذه كلها انجازات حقيقية على الأرض".
ويذكر عبد الحليم، انه "في الفترة الاخيرة شاهدنا محاولة لإعادة احياء وزارة الصناعة، من خلال الشراكة مع الاستثمار الاجنبي المباشر، وكذلك الاكتفاء من محصول الحنطة عن طريق تزويد الفلاحين بأدوات الزراعة الحديثة والمرشات، وكذلك تسديد مستحقات الفلاحين بشكل مباشر، وانعكس هذا بالتأكيد على حصاد الحنطة، خلال الموسم الحالي 2024، اذ لا تزال هناك مساحة كبيرة لوضع انجازات خلال هذه المرحلة، خاصة على مستوى المشاريع المعطلة التي كانت تحتاج لدفعة من الحكومة".
منوها بأنه "نشهد حاليا اكمال بعض وتشغيل قسم من هذه المشاريع المعطلة، مثل مسألة الربط الكهربائي، وزيارة الرئيس التركي وزيارة دولة رئيس الوزراء إلى واشنطن، والانفتاح على الاتحاد الأوروبي، اذ تعتبر هذه الإنجازات، مؤشرات تدعو إلى تحويل هذه الاتفاقيات، التي ابرمت إلى
عقود شراكة ستراتيجية ستخدم العراق على المدى المتوسط والبعيد، وفي انفتاح منظومة اقتصادية محلية على البيئة الدولية بشكل مباشر".
ويتابع أن "مسألة الاستثمار في التكنولوجيا، ايضا والشمول المالي وتحسين بيئة العمل، والإصلاح الاداري وربط المنافذ الحدودية والسيطرة وإيقاف تهريب العملة كلها انجازات حقيقة تحققت
على أرض الواقع، وهنالك بعض المشاريع الجديدة التي ممكن ان تطلق خلال المرحلة القادمة، لذا نتأمل في هذه الحكومة بانها تستطيع تحقيق اهداف البرنامج الحكومي، وخاصة في مستوى جباية الإيرادات غير النفطية المقدرة 27 ترليون
دينار".