ميادة سفر
تمكنت وسائل التواصل الاجتماعي عبر وقت قصير من أن تأخذ الكثير من اهتمام الأفراد وأوقاتهم، وتركت أثراً ملحوظاً على مختلف جوانب الحياة السلبيَّة والايجابيَّة حتى بدا للبعض أنّ الآثار السلبيَّة طغت على تلك الجيدة والايجابيَّة التي يمكن أن تقدمها، لا سيما حين يتم الحديث عن القراءة والكتب، إذ يبدو للبعض أنَّ الانترنت بوسائطه المتنوعة حلّ مكان الكتاب وأنتج جيلاً ملولاً لا يقوى على الانتظار طويلاً للحصول على فكرة أو فائدة أو معرفة خاتمة رواية أو قصة، فضلاً عن الدور الذي لعبته في الترويج لكثير من التفاهة والابتذال حدَّ الاستخفاف بعقولنا وتغيير عاداتنا وتقليص تآلفنا كبشر، حتى بتنا كائنات باردة المشاعر فيما بيننا كتلك الأجهزة التي نحملها بين أيدينا، وتحولت لقاءاتنا إلى حوارات بين الطرشان، فكل واحد تراه يحمل هاتفه الخلوي متصفّحاً ما تيسّر له من مواقع ومستمعاً لما يقدم له من وجبات جاهزة لأخبار وتحليلات وغيرها.
غير أنّ ثمة جانب لا يمكن تجاهله أمام هذا السيل من الأجواء السلبيَّة التي أشرنا إلى بعضها، لو أننا تصفّحنا حسابات بعض الكُتّاب لوجدنا الآلاف من القرّاء المتابعين المتفاعلين، يضعون "اللايك"، يعلقون ويشاركون ما تنشره تلك الحسابات، التي باتت تنافس حسابات مشاهير الغناء والتمثيل، فضلاً عن الكثير من الصفحات والمجموعات والمواقع التي تشتغل على الجانب الثقافي، سواء تلك التي أفسحت المجال للباحثين عن عمل في مجال بيع الكتب الجديد منها والمستعمل، أو لدور النشر التي وجدت منصّات مجانية لعرض إصداراتها والترويج لكتبها وتقديم نبذة عنها للقارئ، مستغنية إلى حد ما عن دور معارض الكتب والمكتبات التي قلّ روادها بشكل كبير في السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة، فضلاً عن إتاحة الفرصة أمام الكثير من القراء الذي تحوّل بعضهم إلى صنّاع محتوى مختص بالكتب حيث برزت أسماء عديدة تركت بصمتها في عالم القراءة، قد لا نتفق على ما يقدم من كتب وما يروّج له هؤلاء من إصدارات، إلا أنّها مساهمة لا يمكن إنكارها في الحفاظ على الكتاب وتشجيع القراءة، وفي النهاية لكل قارئ اهتماماته التي يبحث عنها، كما ظهرت عشرات المواقع المختصة بالثقافة، لا سيما الفلسفية منها، ويمكن لرواد موقع "فيس بوك" أن يكتب اسم أي فيلسوف في خانة البحث لتظهر أمامه عشرات الصفحات والمقالات والاقتباسات.
لم يقتصر الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي وما يقدم خلالها من محتوى ومواد ذات صلة بالكتاب والثقافة والفكر، فقد ازدهر في السنوات الأخيرة سوق الكتب الإلكترونية المقروءة والمسموعة، مشكلة حلولاً أمام القارئ الذي سيجد الكتاب الذي يريده بين يديه بمجرد ضغطة زر، وقد برزت العديد من تلك الأسواق والمكتبات الإلكترونية في الدول العربية منها تطبيق "أبجد" الذي يحتوي على مكتبة إلكترونية ضخمة، تضم آلاف الكتب من أحدث الإصدارات الأدبية والفكرية والفلسفية وكتب تطوير الذات والسير الذاتية وغيرها من كتب عربية وأخرى مترجمة تقدم للقارئ فور خروجها من المطبعة، وإن كانت الأسواق الإلكترونية للكتب ما زالت تسير ببطء في العالم العربي، مصطدمة بالكثير من العوائق والمطبات التي تقف في طريقها، كغياب البنية التحتية اللازمة لهذا النوع من التجارة، إلا أنها شكلت فرصة أمام البعض لاقتناء الكتب وتوفير حيز كبير من بيوتهم التي لم تعد تستوعب مزيداً من رفوف الكتب.
يبدو أنّ منصّات التواصل الاجتماعي ستظلُّ تثير الكثير من الجدل، وسيظلُّ الخلاف قائماً بين فريق يرى أنها أسهمت في تراجع معدلات القراءة خاصة ضمن فئة الشباب، وآخر رأى جانبها الإيجابي في بعض ما أشرت إليه عبر هذا المقال، وأيّاً يكن الموقف ومهما بلغ النقاش، فإن الخلاف لا يمكن أن يفسد للود قضية، طالما أنّ كلاهما يسعيان للحفاظ على الكتاب وتشجيع القراءة والترويج للمعرفة والفكر، ويشتركان في الدعوة لاستخدام العقل والاتكال عليه، وفي كل الأحوال لا يمكننا الاستخفاف بأهمية تلك المنصات سواء أعجبنا هذا أم لا، ولا بدّ من أخذها على محمل الجد في المجالات الثقافية، كي لا يتاح المكان للتفاهات لتحل محلّ الجدي والمفيد.