تضحية أصحاب الإمام الحسين
وسام الفرطوسي
أي تضحية كتضحية الحسين (ع)؟ وأي جهاد كجهاده؟ وأي شجاعة كشجاعته؟ وأي إباءٍ كإبائه..؟ لقد ضرب سلام الله عليه أكرم الأمثال وأنبل المقاصد في ثورته ضد الظلم، وضد الدكتاتورية وضد الشرور والطغيان، ثورة لم ينقطع صداها منذ تفجيره إياها متى ما شاء الله من بقاء الدنيا. ثورة وقف لها كل إنسان من مختلف الملل والنحل منذ ذلك اليوم والى يومنا هذا. ويقف الى الأبد وقفة إعجاب وإكبار أمام عظمة الذكرى. أمام البطولة، أمام الصبر، أمام الحق، أمام الانتصار العظيم الذي حققه عليه السلام هذا الانتصار الذي ما شابهه ولن يشابهه أي انتصار آخر. لقد اختار الإمام الحسين (ع) التضحية أسلوباً له في حركته الإصلاحية الكبرى، إلا أن تضحيته (ع) كانت من طراز فريد لم يعهد من قبل مثيلا لها في تاريخ الإنسانية. لقد ضحى (ع) بكل ما عنده لله، صحبه وأهل بيته (عليهم السلام) ونفسه وعياله.
ولو استقرأنا النصوص التاريخيَّة لأحداث الطف لوجدنا أنَّ أصحاب الحسين كانوا يمثلون طليعة فرسان الإسلام وأبطاله الأفذاذ ولوجدنا كذلك أنَّ هذه الثلة النادرة والنخبة الواعية لا يمكن أنْ تتوفر في أي زمانٍ وفي أي مكان، بل عقم عن إنجاب مثلها الزمان والمكان.
وصف رجلٌ شهدَ يومَ الطف مع عمر بن سعد عن مواقف أصحاب الحسين (ع) في ذلك اليوم فقال: (ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كأسود ضارية تحطم الفرسان يميناً وشمالاً وتلقي أنفسها على الموت لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية).
ومن النصوص الأخرى قول كعب بن جابر قاتل الشهيد برير بن خضير الهمداني فإنَّه لما رجع إلى بيته عتبت عليه امرأته بقولها: أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيد القراء لقد أتيت عظيماً من الأمر والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً، فقال لها من ضمن أبيات يصف الصولات البطولية لأصحاب الحسين:
ولمْ ترَ عيني مثلهمْ في زمـــــــــانِهمْ *** ولا قبلهم في النــــاسِ إذ أنا يافعُ
أشدَّ قراعاً بالسيــــــوفِ لدى الوغى *** ألا كلُّ من يـحمي الذمارَ مقارعُ
وقد صبروا للضربِ والطعنِ حُسَّراً *** وقد نـــــــــازلوا لو أن ذلكَ نافعُ (2)
هاتان شهادتان من رجلين حضرا يوم الطف مع جيش عمر بن سعد
وهناك شهادة ثالثة لو تأملها القارئ لاتضحت له الصورة أكثر بأنَّ أصحاب الحسين (رضوان الله عليهم) كانوا الذروة في الفروسيَّة والشجاعة حيث لا يمكن أنْ يقاس بأحدهم أي أحدٍ آخر وهذه الشهادة هي من عمرو بن الحجاج الزبيدي قائد الميمنة في الجيش الأموي في كربلاء فإنَّه لما رأى أنَّ أصحاب الحسين أكثروا القتل في أهل الكوفة ورأى أفراد جيشه يفرون منهم صاح:
(أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم). ومن يتأمل في هذه الكلمة يجد أنَّ أصحاب الحسين كانوا هم طليعة فرسان المسلمين على الإطلاق فهو يقصد بالمصر الكوفة بلا شك والكوفة في ذلك الوقت كانت مجتمعاً محارباً كوّنته القبائل المقاتلة بعد رجوعها من معركة القادسية واختطت دورها فيها فكانت تمثل الجيش الإسلامي وإطلاق كلمة فرسان المصر على جماعة هم في الأساس من هذا المجتمع المحارب ماذا تعني؟ إنها بلا شك تعني أنَّ هذه الجماعة هم فرسان الجيش الإسلامي على الإطلاق.
وهناك شهادة أخرى بحق أصحاب الحسين هي في غنىً عن هذه الشهادات الثلاث وهي بطولاتهم وشجاعتهم التي أبدوها في ذلك اليوم فقد كان كل واحدٍ منهم جيشاً بأكمله وهذا ما تجسد في مبارزاتهم فكل من استشهد من أصحاب الحسين اشتركت مجموعة من الجيش الأموي بقتله ومارست هذه الجماعة قتالاً جباناً في قتله كرميه بالحجارة ولم يجرؤ أحد على مبارزة أي أحدٍ من أصحاب الحسين فرادى كما اعترف قادة الجيش الأموي بذلك فقد عقب عمرو بن الحجاج الزبيدي على مقولته التي ذكرناها بقوله:
(والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم) فقال له عمر بن سعد: (صدقت الرأي ما رأيت أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منكم ولو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم).
لقد كان من العار على هؤلاء الحثالة الجبناء أن يطلق عليهم كلمة جيش حتى، لأنَّ مهمة الجيش وواجباته نبيلة كالدفاع عن الدين والوطن والعرض ويجب أنْ يتمتع كل فرد منه بصفات منها الشجاعة، وهؤلاء يفتقرون إلى أدنى الصفات التي يجب أنْ تتوفر في الجندي الشريف، فأيّ جيش هذا الذي يجبن كل أفراده عن مواجهة رجلٍ واحدٍ لكي يواجهه الجميع بالحجارة ويعطي قائده عمر بن سعد بن أبي وقاص أوامره إلى جنوده بعدم مواجهة أصحاب الحسين «ع» فرادى واستخدام أساليب جبانة مثل الرمي بالحجارة والفرار.
وسنستعرض بعض الصور من تلك الممارسات الجبانة التي تدل على خسّة عمر بن سعد وابن زياد ويزيد وأتباعهم وستبقى شاهداً على العار الذي لحق بهم كما ستبقى شاهداً على بطولة أصحاب الحسين وشجاعتهم:
1 ـ الحر بن يزيد الرياحي: قتل نيفاً وأربعين رجلاً، ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه حتى قتلوه.
2 - نافع بن هلال الجملي: قتل اثني عشر رجلاً سوى من جرح، وأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه وأخذوه أسيرا وقتله الشمر.
3 - عابس بن أبي شبيب الشاكري: تحاماه الناس لشجاعته، أحاطوا به من كل جانب فقتلوه.
4 - حبيب بن مظاهر الأسدي: قتل اثنين وستين رجلاً، اشترك ثلاثة في قتله هم بديل بن صريم ورجل من تميم (لم تسمه المصادر) والحصين بن نمير.
5 - جون بن حوي: قتل خمسة وعشرين رجلاً، فأحاطوا به من كل جانب ومكان فقتلوه.
6 - مسلم بن عوسجة: قاتل قتالاً شديداً، اشترك اثنان في قتله هما مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة.
7 - أبو الشعثاء الكندي: قتل أربعة عشر رجلاً، تكاثروا عليه وقتلوه.
8 - زهير بن القين: قتل مئة وعشرين رجلاً، ثم عطف عليه كثير بن عبد الله والمهاجر بن أوس فقتلاه.
9 - برير بن خضير: قاتله ثلاثة رجال هم يزيد بن معقل، ورضا بن منقذ العبدي، وكعب بن جابر، فقتل برير يزيد، وجرح رضا، فقتله كعب.
10 - الصحابي أنس بن الحارث الكاهلي: قتل ثمانية عشر رجلاً، أحاطوا به وقتلوه.
هذه بعض الصور اقتطفناها من المصادر عن مبارزات أصحاب الحسين وهم يسجلون بدمائهم الطاهرة أروع صفحات الجهاد والتضحية والفداء في سبيل الحق والعقيدة.
وما أروع هذه الأبيات التي قيلت في حقهم والتي تنسب إلى الإمام الحسين (ع):
قومٌ إذا نُـــــــــــــــودوا لدفعِ ملمةٍ *** والقومُ بين مدعــــــسٍ ومكردسِ
لبسوا القلوبَ على الدروعِ وأقبلوا *** يتهـافتون عـــــلى ذهابِ الأنفسِ
عافوا الحيــــــــــاة فيا لهم من فتيةٍ *** سكنوا الجنانَ وأُلبسوا من سندسِ
إنَّ السبب في التضحية الكبيرة التي رسمها أصحاب الحسين «ع» هو بأنهم كانوا على بصيرة من أمرهم أنَّ الإمام الحسين «ع» هو ابن بنت رسول الله «ص» ويجب الدفاع عنه لأنَّ الدفاع عنه هو الدفاع عن الإسلام.