سمير النصيري
تعاني أغلب دول العالم من أزمات اقتصادية متتالية منذ 2020 وحتى الوقت الحاضر هي الأقسى والأكثر ضرراً على اقتصاديات الدول من الأزمات السابقة التي اجتاحت العالم سابقاً والتي بدأت بأزمة الإغلاق اإثر جائحة كورونا وأزمة (الركود التضخمي ) بسبب نقص الغذاء وارتفاع الأسعار والحرب الروسية الأوكرانية والصراعات الاقتصادية بين أميركا والصين وآخرها الحرب الصهيونية على غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة والتوقعات بعدوان جديد على لبنان والصراع على السيطرة على أسعار النفط ومحاولات الدول المتضررة لإيجاد الخطط والصفقات للسيطرة على هذا الارتفاع الذي حدث خلال السنوات الماضية .
ومن متابعتنا ومراقبتنا وتحليلنا لحركة الاقتصاد العالمي نلاحظ أن أغلب دول العالم ارتفعت فيها نسب التضخم وتجاوز المرتبة الواحدة وانخفضت نسب النمو الاقتصادي وبشكل خاص الدول الإقليمية وأغلب الدول ذات الاقتصاديات الكبرى وحتى الدول الناشئة حاولت تشكيل محاور وأقطاب وتكتلات اقتصادية جديدة وعقد اتفاقات فيما بينها وبين دول أخرى للتعاملات التجارية والمالية خارج مجموعة الدول السبع الكبار كتكتل بريكس وقد اتخذت البنوك المركزية في أغلب الدول قرارات صعبة من أجل السيطرة على أسعار عملاتها المحلية من الانخفاض والمحافظة على احتياطاتها النقدية الأجنبية بالمعدلات الٱمنة وبالتالي الحد من التضخم الركودي والمحافظة على أسعار مستقرة نسبياً ونمو اقتصادي متوازن مع الظروف الاقتصادية السائدة حالياً برفعها لأسعار الفائدة بالنِمر التي تتناسب مع وضعها الاقتصادي .
لذلك وقدر تعلق الأمر بوضع العراق الاقتصادي وبالرغم من أن تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتقييم الاقتصاد العراقي للعام الحالي تشير إلى أن نسبة التضخم لم تتجاوز 3 بالمئة ووفقاً لما أعلنه البنك المركزي هي أفضل من نسب التضخم في الدول الإقليمية والمجاورة لنا وأن نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام يتوقع 6 بالمئة ومازال العراق يحتفظ باحتياطي نقدي أجنبي جيد لتغطية استيراداته وتغطية عملته المحلية في التداوال .إلا أنه اقتصادة أحادي الجانب ويعتمد على الريع النفطي كما أن قطاعه المالي والمصرفي ضعيفاً ويعاني من العقوبات والتحديدات باستخدام الدولار الأميركي في التعاملات المصرفية الخارجية وما زال تصنيفه الائتماني ضمن حدود تصنف دولياً بغير المستقرة وفي ظل غياب
تدابير جديدةعلى مستوى السياسات من المتوقع أن يصل عجز المالية العامة إلى7.6 بالمئة في 2024 وان يتسع أكثر بعد ذلك مع الانخفاض المتوقع في أسعار النفط على المدى المتوسط ونتيجة لذلك سيتضاعف الدين العام تقريبا من 44 بالمئةفي 2023 إلى 86 بالمئة بحلول عام 2029 كما أن القطاع الحقيقي يعاني من مشكلات عديدة تمنعه من تحقيق الإيرادات اللازمة لتقليل حصة الإيراد النفطي في الموازنات العامة وهذا يعني أن العجز في ميزان المدفوعات والعجز في الميزان التجاري هو السائد بالرغم من أن الحكومة والمالية والبنك المركزي تبذل جهوداً كبيرة لإعادة بناء قطاع مصرفي متين ورصين لأنه بدون وجود قطاع مصرفي متطور لايمكن بناء اقتصاد وطني سليم والمشكلة المتوارثة والمعقدة هو ضعف امتثال القطاع المالي والمصرفي العراقي للمعايير الدولية والسياسة التجارية الخارجية غير واضحة بالرغم من الإجراءات التي قام بها البنك المركزي لتنظيم تمويل التجارة واعتماد بعض البنوك الأجنبية الرصينة المراسة ولكن وجود المنافذ الحدودية غير الرسمية والتجارة البينية غير المشروعة والمضاربين في سوق التداول للعملات الأجنبية أدى إلى حالة التذبذب في أسعار الصرف بين فترة وأخرى .
ولغرض قيام البنك المركزي بممارسة دوره في الحد من التضخم والسيطرة على المستوى العام للأسعار والمحافظة على سعر صرف الدينار ضمن حدوده المستهدفة والتحكم بسعر الفائدة والمحافظة على احتياطياته النقدية الأجنبية ضمن المعدلات المطلوبة كذلك السيطرة على عرض النقد وبالتأكيد أن جميع هذه الجوانب هي ضمن أهداف البنك المركزي واهتمامات مجلس إدارته خلال المرحلة المقبلة ولغرض تجنب أن يلحقنا الضرر الذي يهدد الاقتصاد العالمي حالياً . مما يتطلب اتخاذ خطوات جريئة وكما يلي :
أولاً- إعادة النظر بهيكل وعرض الموازنة العامة وأن يتم تحديد نسب مساهمة القطاعات الزراعي والصناعي والسياحي وإيرادات غير النفط بما لايقل عن 30 بالمئة خلال السنوات القادمة حتى عام 2030. ويجب أن لايتجاوز مجموع النفقات مجموع الإيرادات بأي حال من الأحوال وأن يكون العجز صفراً .
ثانياً -اعتماد سياسات زراعية وصناعية وتجارية تنسجم مع التوجه لدعم وإسناد القطاع الخاص وتحفيزه وتشجيعه للمساهمة في مشاريع التنمية المستدامة والانتقال إلى قيادته للسوق في 2030.
ثالثاً - إعادة ستراتيجية جديدة للبنك المركزي للسنوات (27-2030) في مجال تطبيقات السياسة النقدية وتعزيز الشمول المالي والسيطرة على استقرار سعر الصرف وتعزيز الانتظام في المعايير الدولية والتطبيق الشامل للتحول الرقمي في القطاع المصرفي وتحويل المصارف العراقية الحكومية إلى شركات مساهمة مختلطة وفقاً للإجراءات الحكومية بهذا الصدد ومصنفة دوليا .
وتدار وفقاً للتقنيات المصرفية الحديثة ورفع العقوبات عن المصارف الخاصة وتطوير عملها وفقاً للمعايير الدولية وعدم السماح ببقاء الضعيف منها بالعمل داخل السوق المصرفي واعتماد مبدأ التنافس أيهما أفضل ويخدم التنمية المستدامة .