الصعود إلى قمة جبل أملس

آراء 2024/07/28
...

  د. حامد رحيم

حتى العام 2021، تسلم العراق عبر البرامج المالية لصندوق النقد الدولي قرابة (مليار دولار توزعت بين برامج مالية طويلة الاجل مشروطة بإعادة النظر بحجم الانفاق الحكومي وتقليص التزامات الحكومة بالتعيينات
 كانت تلك الرسالة التي اطلقتها السلطة العراقية المؤقتة بتاريخ 24/9/2004 والتي كانت بعنوان (رسالة نوايا) علامة فارقة أرخت لبداية عهد جديد غير مألوف بالنسبة للعراقيين، الذين اعتادوا على خطاب مختلف عن مضمونها، رسالة تضمنت تعهدات من الطرف العراقي بالقيام بإصلاحات مالية وإعادة النظر بالسياسات والإجراءات الضريبية المتبعة مع نظرة جديدة للقطاع العام، وتصنيف منشآته إلى خاسرة وأخرى رابحة، وصار الحديث عن هيكلة لها، إضافة لقضايا أخرى لها علاقات بكلف الخدمات التي تقدمها الحكومة وإعادة النظر بحجم الأنفاق العام وغيرها من التفاصيل. فكانت تلك الرسالة الخطوة الأولى لبناء علاقة ود وبداية قصة بطلها صندوق النقد
الدولي.
هشاشة الدولة في العراق الجديد والمزاج الأمريكي جعلا بوصلة العراق الاقتصادية لم تعرف الاستقرار، دستور ينص على شيء خلاف الواقع، والسياسيات بلا هدف تنموي، وبرامج تقف عند منتصف الطريق، والنتيجة موارد تبدد وفرص تضيع وشعب يعاني، وكل ذلك كان بسبب غياب (النموذج الاقتصادي الذاتي) لقصور ذهنية اللاعب السياسي العراقي، والتي انصرفت إلى لعبة الشد والجذب بين المشاريع والاستقطابات الخارجية.
بدأت القصة مع صندوق النقد الدولي ضمن اطار ما يعرف (بالاتفاقية المساعدة ما بعد النزاعات الطارئة)، والتي كانت نقطة شروع لدخول العراق إلى برامج التمويل المالية لصندوق النقد الدولي، باعتبار العراق خارجا للتو من ازمة وحرب مدمرة ويعاني من ثقل الديوان المترتبة عليه من أيام النظام السابق، فتزامنت الاحداث بين (نادي باريس) وتعهدات الولايات المتحدة الامريكية، بدعم العراق في ملف ديونه والاتفاقية المذكورة آنفا، فدخل العراق ضمن (سياسات التثبيت قصيرة الأجل) على ضوء البرامج المالية، التي قدمها صندوق النقد الدولي إلى العراق، التي كانت مشروطة بتنفيذ «سياسات إصلاحية» ضمن سياسات التثبيت سالفة
 الذكر.
حتى العام 2021، تسلم العراق عبر البرامج المالية لصندوق النقد الدولي قرابة (مليار دولار توزعت بين برامج مالية طويلة الاجل مشروطة بإعادة النظر بحجم الانفاق الحكومي وتقليص التزامات الحكومة بالتعيينات وهيكلة منشأة القطاع العام الخاسرة وإنهاء حالة تشوه أسعار الخدمات الحكومية وغيرها، وأخرى قصيرة الأجل كانت تهدف لمساعدة العراق للخروج من أزمات منها أحداث داعش وهبوط أسعار النفط.
المقام هنا لا يسع للخوض في أصل فكرة النظرة الإصلاحية وجدل التنمية الاقتصادية وجدوى وصفات صندوق النقد الدولي للدول المتخلفة الرامية لتحقيق التنمية الاقتصادية، كونه نقاشا يطول ويأخذنا بعيدا عن جوهر المقال وغايته.
لنناقش نتائج قصتنا مع صندوق النقد الدولي، فقد تم الاعلان مؤخرا أن العراق قد أعاد جميع الأموال، التي اقترضها من صندوق النقد الدولي ولا يوجد في ذمته من تلك الديون شيء. والسؤال هنا ما الذي تغيير عبر كل هذه السنين والبرامج والاتفاقات وجولات التفاوض الماراثونية؟.
 وفق اخر اجتماع بين العراق وبعثة الصندوق الذي عقد في عمان بتاريخ 3/3/ 2024، اذ صدر البيان الختامي ليؤكد الحاجة لإجراء إصلاحات هيكلية واسعة، لتعزيز تنمية القطاع الخاص والتنوع الاقتصادي!.
يا ترى كم برنامج مالي نحتاج لنلبي هذه الحاجة؟ وما جدوى كل تلك الجهود سالفة الذكر والسنوات التي مضت؟. تضمن البيان الختامي توصيات هي:
1 - اعتماد استراتيجية شاملة للتوظيف تهدف إلى الغاء التعيينات الإلزامية في القطاع العام.
2 - تسريع وتيرة الإصلاحات في القطاع المالي.
3 - تنفيذ إصلاحات في نظام التقاعد.
4 - مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة.
5 - إزالة العقبات التي تعيق تنمية القطاع الخاص.
الإزاحة تساوي (صفرا) لا فرق بين رسالة (النوايا) والآن بعد كل هذه السنوات، ما زلنا ضمن مستوى التوصيات الأولى (الفساد والتعيينات والإصلاح المالي... الخ)، الإدارة في العراق بلا نتائج، الموارد المالية سواء كانت ذاتية تأتي من النفط أو قروض مشروطة من صندوق النقد الدولي كلها بلا منجز
تنموي.