{إنيو}.. تحية إلى مؤلف موسيقي عظيم

ثقافة 2024/07/29
...

علي حمود الحسن
تمتعت كثيراً بمشاهدة الفيلم الوثائقي " إنيو"(2021) للمخرج الإيطالي  جوزيبي تورنتوري، الذي يتحدث عن السيرة الحافلة لواحد من أهم مؤلفي الموسيقى التصويرية في الزمن الحديث، وهو تحية محبة وامتنان من مخرج - مولع بزمن السينما الجميل- للموسيقار إينو موريكوني الذي ألف الموسيقى التصويرية لـ (500) فيلم بضمنها عدة أفلام لتورنتوري منها الفيلم الشهير "سينما براديسو"، وأشهرها "الطيب، والشرس، والقبيح" (1966)، و"حدث ذات مرة في الغرب" (1968) وهذان الفيلمان لمخرج "أفلام السباغيتي" الشهير سيرجو ليوني الذي زامل موريكوني أيام التلمذة.

أحاط المخرج بتنوع واحتدام السيرة الأسطورية لمؤلف موسيقى "سبارتكوس" التي امتدت لأكثر من 65 عاماً أنجز خلالها مئات القطع الموسيقية المخصصة للأفلام، فضلاً عن أعمال موسيقية سيمفونية خالصة أو أوبرالية، وذلك من خلال مقابلات شخصية مع صناع أفلام وموسيقيين، وتوظيف مواد أرشيفية (صور فوتوغرافية ومقاطع أفلام) كذلك استخدم موسيقى موريكوني بطريقة مبتكرة كموسيقى تصويرية للفيلم، معتمداً سرداً يمزج بين الخطي وغير الخطي، وبذلك تعرفنا على طفولة هذا الموسيقي الموهوب الذي ولد لأب موسيقي يعزف ترامبيت درب ابنه على العزف على هذه الآلة وقال له: "إنها وسيلتك للعيش" اكتوت الأسرة بالحرب وكان الأب وابنه يعزفان في الفنادق للضباط والجنود من أجل سد رمقهما.. يقتفي المخرج من خلال شهادات أسرة ماريكوني وأكثر من 100 شخصية عاصرته وعملت معه، طفولة هذا الموسيقار العبقري ومراهقته وهوسه بالموسيقى، ثم التحاقه بأكاديمية سانت سيشيليا الوطنية للموسيقى دارساً على آلة الترومبيت كمؤلف ومخرج موسيقى الكورال، ليتحول خلال فترة قياسية إلى الموسيقي الأشهر في القرن المنصرم والحالي، وبحسب متخصصين أدلوا بشهادتهم فإن الموسيقى التصويرية لصاحب "لوليتا" ليست عابرة ولا عشوائية، إنما هي ذات حضور مؤثر وعميق، إذ تدفع الأحداث وتحركها، كأنما تصنع فيلماً جديداً، مثلما يقول سيرجي ليوني.

 سحر الفيلم ومكمن الجمال فيه، يتلخص في أسلوب تورنتوري وتلاعبه بالزمن من دون أن يربك البناء السردي، الذي أعتمد على الإخبار البرقي في شهادة الشخصيات المدعمة بلقطات من الفيلم وصوت الموسيقى، ولقطات أرشيفية لقيادة موريكوني للأوركسترا، أو أثناء كتابته النوتة وذوبانه في الأنغام التي يضج بها خياله  العبقري، وكانت اللقطات التي يتحدث بها موريكوني، وإشارات يده وهو يردد أنغام موسيقى الأفلام الشهيرة بعذوبة وجمال تماماً، كأنما يحكي بلغة  الموسيقى. التقطت كاميرا المصورين ليجيري ونابيو زاماريون، كل ذلك بزوايا أبرزت جماليات الشخصيات وموقع التصوير من خلال إضاءة بهيجة، فخلقا كادرات خلابة ملونة وأخرى بالأسود والأبيض، بينما قدم المونتيران ماسيمو كوالجيا، واناليزا سكيلاتشي اللذان مزجا كل هذه البرقيات وتلاعبا بزمنها وامتداده بطريقة خلاقة، فكانت النتيجة إيقاعاً سردياً شيقاً يجبرك على متابعته والتمتع بتلاوينه التي مازجت ألحان موسيقارعظيم. 

الفيلم الذي أسهم المخرج جوزيبي تورنتوري في كتابته طويل نسبياً، إذ بلغ زمن عرضه 156 دقيقة، وقد استضاف فيه "العشرات من صناع السينما والموسيقى الذين أدلوا بشهادتهم في الفيلم، منهم: المخرج كوينتن تارانتينو وسعيد الطالع كلينت ايستوود، والمخرج أوليفر ستون، ، وترانس ماليك، بيرناردو بيرتولوتشي، وكوينسي جونز، والموسيقار الألماني العظيم هانز زايمر الذي قال : "إن موسيقى إنيو موريكوني ملهمة وأثرت في موسيقانا".