علي العقباني
تبدو عملية الإحاطة بكلّ ما أُنتِج عالميّاً من أفلام الرّسوم المتحرّكة الطّويلة أو المسلسلات أو الشخصيات الكرتونية التي ابتكرها الفنانون عبر سنوات طويلة أمراً عسيراً وصعب الوصول، ويحتاج لعملٍ موسوعي، بعيداً عن غرض هذه المقاربة أو الدّراسة، الّتي اهتمّت بشكلٍ أساسيّ، بالتعريف بهذا الفن، وتاريخه، وعلاقته بالسينما، وأهمّ جهاتِ إنتاجه عالميّاً، على مستوى الكمّ والنوع أو الشخصيات.
لن نُبالغ هنا القول في أنَّ فن الرّسوم المتحرّكة كان له حضور قبل فن السينما والصورة الفوتوغرافية بآلاف السنين، وذلك قبل تمكّن الإنسان من توثيق الزّمن، وتثبيت صورته على شكل صورةٍ فوتوغرافيّة، وهي فكرةٌ دغدغت مخيلة البشر طويلاً قبل اختراع فنون الصورة والتحريك.
بعد اختراع السينما أصبحت الرّسوم المتحرّكة عملاً سينمائيّاً مستقلّاً، إلّا في حالاتٍ نادرة هي الأفلام المشتركة بين الرّسوم المتحرّكة والتمثيل الحي، لكن سحر الصّورة البشريّة على الشاشة جعل من الرّسوم المتحرّكة منتَجاً سينمائيّاً أقلّ أهميّةً ومتابعةً وجمهوراً، رغم إطلاق والت ديزني لقطار إنتاجاته الجبّار الذي وضع هذا النّوع من الإبداع على سكّة الإنتاجات السينمائيّة الكبرى من ميزانيّةٍ ومشاهدين وإيرادات، ليتبعه المنتجون الأميركيون والأوروبيون واليابانيون بعد ذلك.
وعلى الرّغم من النّظرة العامّة عالمياً إلى هذا الفن، كفنٍّ يسير على هامش السينما، فإنّ له مكانته الكبيرة في العالم المتحضّر، وخصوصاً في اليابان. ولكنّ حضوره في قائمة المشاهدات العربيّة يبقى ثانويّاً مرهوناً بمزاج عامٍّ لا يعيره الكثير من الاهتمام، ومنتِجٍ لا يحبّ المقامرة أو المغامرة وجهات عامة ترى في شراء هذا النوع من الفن أسهل وأرخص وأقل تكلفة من صناعته.
وأياً يكن الأمر فقد شكلت شخصيات الرسوم المتحركة عبر كل تلك السنوات عامل جذب كبير للصغار والكبار، حتى قبل أن تتحول هذه الأفلام والمسلسلات إلى سلاسل مطبوعة من المغامرات تغزو مكتبات الأطفال بلغات مختلفة مثل مغامرات طرزان، تان تان، ميكي... وغيرها الكثير، وربما كان بعضها قصصاً قبل أن تتحول إلى أفلام أو مسلسلات، وكانت تجذب الصغار والكبار معاً، وما تزال الشخصيات الكرتونية يتم ابتكار الجديد منها، ولكن الشخصيات القديمة ما تزال حاضرة على الشاشة، ويُعاد عرضها وإنتاجها مراراً وتكراراً، ومن تلك الشخصيات سنذكر شخصية بوباي، الجاحظ التي ولدت في العام 1929 في مسرح “تمبل”، وتمثل هذه الشخصية بحاراً أحول يتحدث بطريقة غريبة، ويتحول إلى محارب عنيد بعد أن يلتهم علبة السبانخ التي تشحن جسمه بقوة الحديد، وينتصر على بلوتو الشرير، وانتشرت صوره على معلبات السبانخ، بشكل واسع، وغالباً ما تظهر مع بوباي زوجته المشاكسة “أوليف” التي تضعه في مواقف صعبة أمام أعدائه.
لكن أول القصص التي ظهرت كانت قصة “طرزان”، حيث نشر الروائي البريطاني ادغار بروفنس 1875 – 1950 أول قصة من مغامرات طرزان عام 1913، عن طفل إنجليزي ضاع في غابات أفريقيا وتربى بين القرود، وبدأت سلسلة من الأفلام السينمائية الصامتة منذ عام 1918 بفيلم طرزان مع القرود، تبعه فيلم قصة حب طرزان، ثم عودة طرزان، ابن طرزان، طرزان والأسد الذهبي، طرزان النمر، وهنا ربما علينا الإشارة إلى مكانة ودور وتأثير حكايات ألف ليلة وليلة، وحكاية “حي بن يقظان” وربما حكايات “كليلة ودمنة” في توليد شخصية طرزان وغيرها من الشخصيات المتخيلة كتابة ورسوماً، صار بعضها ينتمي إلى الأساطير، ومع مرور الوقت والأعمال المتعددة، صارت حكايات طرزان على الشاشة هدفاً مستمراً ومتغيراً للمنتجين والمخرجين والممثلين، فقامت شركة متروغولدن بإنتاج مجموعة من الأفلام من بطولة جوني ويسملر ومارين أوسوليفان، ودخلت شركات جديدة واستبدلت ويسملر بممثل آخر هو ليكس باركر ومن بعده غوردون سكوت، وتحول طرزان إلى سلسلة مسلسلات تلفزيونية عام 1984، بعد أن سجل رقماً قياسياً بين الموضوعات التي تناولتها الأفلام السينمائية، في الوقت الذي انتشرت فيه السلاسل المطبوعة من مغامرات طرزان في كل لغات العالم، والتي تركت آثارها على أجيال متعاقبة.
أما ما يمكن اعتباره من أهم الشخصيات الكرتونية التي ولدت في الصحافة وانتقلت في ما بعد إلى التلفزيون فإن جذورها تمتد إلى “الصبي الأصفر”، الذي ابتكره الفنان الأميركي وينسور ماكاي، وافترض أنه من مواليد 1896، وهو العام الذي ولدت فيه السينما التي ساهمت في انتشار قصص المغامرات والحكايات الشعبية، وساعدتها في أن تبقى حتى وقتنا الحالي جاذبة وملهمة، وقد ابتكر ماكاي شخصية أخرى في صحافة الأطفال في العام 1911 هي شخصية “نيمو الصغير”، وأعطاهــــــــــا صفة الطفل الذي يزور عالم الأحلام، واذا علمنا أنه تزامن مع ظهور دراسات التحليل النفسي وتيارات الفن والأدب الحديث التي بدأت تتجه إلى اكتشاف عالم الأحلام والخيوط غير المرئية التي تربطه بالواقع، وبعد أن نشر فرويد كتابه المثير “تفسير الأحلام” في عام 1900، أما الشخصية الثالثة التي ابتكرها ماكاي عام 1909 فهي الديناصور “جيرتي” ثلاث شخصيات بقيت عالقة في ذاكرتنا حتى اليوم.
ولا يمكن أن ننسى هنا “الأخوة الأعداء” و”تان تان” وغيرها من الشخصيات التي سنكمل معها في حلقة ثانية.