أم كلثوم و الدرس العظيم

ثقافة 2024/07/31
...

حسين عبد العزيز 



فى يوم الثالث من شهر فبراير  من كل عام، تحلُّ ذكرى رحيل  أم كلثوم ، لكن الحديث عن أم كلثوم لا يريد مناسبة، وإنما نريد أن نتعلم منها بقدر الاستطاعة. وأنا سوف أتكلم عن وجه غير معروف عن الست التى نُعرف بها وهى لا تُعرف بنا، لأنها تعرف بذاتها. _ لن أضع أي علامة تعجُّب فى هذا المقال لأنه ما هو إلا علامة تعجب بحجم ما نحن نعيش فيه الآن. ففى عام 1956 وبعد انتهاء  حرب العدوان الثلاثى  تبرعت الست  أم كلثوم بملبغ (1000 جنيه) لإعادة إعمار وتجهيز مدارس بور سعيد، وعقب هزيمة حزيران 67، رفعت الست شعار “ الفن من أجل المجهود الحربى “ وتقول :” لن يغفل لى جفن، وشعب مصر يشعر بالهزيمة “ ثم قررت أن تقيم حفلين شهرياً تخصص إيراداتهما لدعم تسليح الجيش لمواجة العدوان ، وكانت أول الحفلات فى مدينة دمنهور.وقد جمعت فى هذا الحفل (40000 جنيه) ثم حفل مدينة الإسكندرية  والذى كان حصيلته (100000 جنيه) بالإضافة إلى تبرعات عينية من ذهب ومجوهرات. وفى حفل المنصورة تجاوزت إيراداته (120000) إضافة إلى (212 ألف جنيه  إسترلينى) من حفل باريس و 100 ألف دينار كويتى من حفل الكويت  وغيرها “ هذا الموضوع يحتاج إلى كتاب مستقل “ ثم قامت الست بحملة لجمع التبرعات من المشاهير والشخصيات العامة، فقد طافت على مكاتبهم فى  مقرات عملهم  للحصول على الدعم من أجل المجهود الحربى..وهنا يجب ألا ننسى أن نشير  إلى أنها قررت أن تغني على جبهات القتال  من أجل أن تقول للجنود  والقادة  نحن جميعاً معكم. ولأن فعل الخير معدٍ،فقد نظم العشرات من فناني مصر حملة تحت عنوان “ أسبوع التسليح “ تحت قيادة الفنانة تحية كاريوكا، فقد قامت بإعداد العشرات من سيارات النقل بها صناديق للتبرع، وكانت تجوب القرى والمدن، وقاد كل سيارة فنان لحثِّ الناس على التبرع للجيش ، وقد أخذت الفنانة تحية كاريوكا حصيلة ما جمع وكان مبلغاً كبيراً جداً من المال وسلمته للرئيس جمال  عبد الناصر، الذى قال لها “ : أنت بألف راجل “ هذا موضوع يحتاج إلى  مقال مفصل عندما نكتب عن حرب اكتوبر والشعب المصرى والعربى. أما الآن وبعد تلك المقدمة المهمة جداً لما سوف أكتبه الآن حيث أنه لبد أن نقرأ بتمعُّنٍ وتركيزٍ شديدين .. وأن نفتح قوساً ونكتب داخله (إن أول مرة دخلت فيها الست القاهرة توجهت إلى مدينة حلوان لتحيي فيها حفلة ساهرة، لأن أحد الأثرياء والمقيم فى ضاحية حلوان كان يحيي كل سنة “ ليلة الإسراء والمعراج “ فى قصره، وفى تلك السنة 1920 وقبل الحفل بفترة كان يتحدث مع ناظر عزبته الموجودة فى إحدى قرى مدينة السنبلاوين، وكان اسمه حافظ أفندى، وحدثه فى الأمر  فقال له ناظر العزبة  :” إنه توجد فتاة صغير فى قرية قريبة من نوب طريف التى توجد بها العزبة  ذات صوت قوى وجميل للغاية، واقترح أن يتم استدعاؤها مع تختها لإحياء الحفلة، ولما كانت الست تنشد فى المولد النبوى القصائد المناسبة . فقبل الباشا عز الدين يكن، اقتراح حافظ أفندى، وطلب منه الاتفاق مع المطربة المذكورة وفرقتها ، وقد كان حيث اتفق حافظ أفندى مع سومه على مبلغ وقدره “ 300 قرش “  ولما وصل الركب إلى سراى الباشا ويرى سومه حتى انفجر غاضباً فى حافظ أفندى وكيله وقال بصوت عالٍ :” أنت عاوز تسوِّد وشى أمام الكبراء والعظماء اللى أنا عازمهم. إيه البت المفعوصة دى اللى أنت جايبها، إنزل مصر هات لنا الشيخ إسماعيل سكر . أسرع حافظ أفندى بالنزول إلى مصر “ القاهرة “ وجاب الشيخ إسماعيل سكر  الذى غنَّى وأبدع وأطرب الحضور، وبعد انتهاء الوصلة الأولى جلس ليستريح، وهنا تذكر القوم الفتاة الصغيرة فأرسلوا بإحضارها ، وكانت أم كلثوم قد نامت  فحملوها وصعدوا بها  على مقعد و أوقفوها وأرسلوا حولها النكت والقفشات  لكن لصغر أم كلثوم لم تفهم ما يقال حولها وسبب الضحك.. لكنها تعرف أنها أتت من قريتها لتغنّي فغنت الفتاة، وحدثت المعجزة، فبعد دقيقة كان الصمت من جانب الحضور هو سيد الموقف  وكانت نظرات الإعجاب والاستحسان تلوح على الوجوه وبعد ثلاث دقائق كانت آه وإعد وكمان هى ما يتفوه بها الجمهور من البشاوات والأعيان  غنَّت أم كلثوم وأبدعت فأطربت.. و كان الكل يطلب من الشيخ إسماعيل سكر، أن يطلب من أم كلثوم أن تستمر فى الغناء. وكان أسعد من فى الحفل ليس أم كلثوم أو أبوها أو الباشا وإنما كان حافظ أفندى ناظر العزبة ، فلما وصل خبر صوت أم كلثوم وما فعله فى الرجال  إلى الحريم  فطلبوها فصعدت إلى الحريم وإلى المجد الذى استمر إلى الأن. وغنت أم كلثوم للحريم.. وفى الصباح أهدتها زوجة الباشا “ 2 جنيه ذهب وخاتماً من الذهب بفصٍّ ثمين من الياقوت الأزرق،ونال أخوها خالد ساعة ذهبية .