لم يكن السياسيون يتوقعون خطابا مرجعيا صريحا لا لبس فيه كخطاب يوم الذكرى الخامسة لصدور فتوى الدفاع عن العراق، فقد كانت التوقعات تشير الى كلمات احتفالية، واشادة بمن ضحوا وبذلوا الجهود والدماء وانقذوا العراق من مصير بائس ، لكن الخطاب جاء على غير العادة، صريحا، نقديا، شخص المخاطر والتحديات، وكشف الحقائق للجمهور، حتى لا يستغفل بادعاءات وشعارات، ظلت دثارا للقوى السياسية تلتحف به لتتقاسم السلطة والمغانم من جهة، ولتتقي غضب واعتراضات الشارع من جهة اخرى. لقد كان شائعا ان هذه الحكومة تشكلت بموافقة المرجعية العليا، او عدم اعتراضها وسكوتها، وان الذين هندسوا اخراجها الى العلن بشخوصها البارزين، انما اخذوا الضوء الاخضر من المرجعية السيستانية، وقد ساد التباس عميق حول صلة المرجعية بالحكومة الراهنة، بل جرى تلبيس الموضوع قصدا حتى تحقق بعض القوى والاطراف السياسية مآربها، فمن يجرؤ ويجازف بتحدي المرجعية صراحة، دون ان يخسر جمهوره، ويتعرض لانكار الشارع وغضبه، واليوم ازالت المرجعية هذا الالتباس، ونفضت يديها من هذه الادعاءات، وشخصت بوضوح ان هذه الحكومة لم تختلف عن سابقاتها، فهي مقيدة بالمحاصصات والتكالب على المناصب والمواقع، والبحث عن المكاسب، بما جعل البلاد عاجزة عن تجاوز ظرفها العصيب، فالقوى القديمة التي ذاقت عسل السلطات، والقوى التي برزت اثناء الحرب على داعش، لم تكف عن الصراع على السلطة والثروة والنفوذ، وتُرك الجمهور يشاهد هذه الملهاة المملة بين قوى جديدة واخرى عتيقة، همها الاستحواذ والبقاء ضمن دائرة المشهد، فلم تجر معالجة جادة للفساد، ولا وقت لدى هذه القوى لاصلاح احوال البلاد، بل لا تدبير جادا وعقلانيا لمواجهة مخاطر التدهور الامني بسبب الاستمرار بذات السياسات الامنية والخطط الاستعراضية، دونما مراجعة حقيقية لازمات المناطق المحررة ومشاكل نازحيها، وها هو جرس الانذار يدق محذرا من عودة الارهاب الداعشي، فالارهاب ينمو مستثمرا الاخفاق الخدمي، والاخطاء الامنية، والفساد المتنامي لدى القوى الممسكة بالامن والادارة، ليجتذب ناقمين ومعارضين ومحبطين الى مشروعه التدميري، خطاب المرجعية حمل معطلي استكمال التشكيلة الحكومية المسؤولية عما يجري، دونما استثناء، فكلهم مصممون على اقتسام السلطة والمشاركة فيها، وجميعهم بلا خطط ولا دراية واقعية بالمخاطر، ومن ادعى الاصلاح والتجديد، حريص على شد جمهوره والابقاء عليه ضمن دائرة الولاء والحزبية العمياء، اما الحال الواقعي، فانه لم يتغير كثيرا، رغم النوايا الحسنة لرئيس الحكومة وخططه وطموحاته، فالواقع السياسي لن يسمح بفتح نافذة التغيير في الاداء الحكومي والمسار البرلماني، مادام الساسة يتفاوضون حتى على توزيع مناصب الخدمة العامة، ويحتكرون توزيع المغانم والمناصب ابتداء من الوكلاء حتى المدراء، باسم الاستحقاق الانتخابي تارة، والابتزاز السياسي تارة ثانية، ثم يطالبون الجمهور بالصبر، ريثما تغتني خزائنهم، الواقع العراقي يحتاج الى مقاربة سياسية مختلفة، فكل شيء يجري خلاف المعلن من شعارات الطاعة والخضوع للمرجعية وخدمة الشعب والحرص على امنه وخلاصه من عذاباته، مالحل اذن؟ ومن يقوم بمهمة الاصلاح والتغيير؟، بعدما فضحت المرجعية كل الساسة والسياسات، شخصت العلل والامراض ؟ .
لا مراهنة بعد اليوم على قوى جديدة واخرى قديمة، فأزمة السلطة والادارة والحكم في العراق، ستحكمت بشكل غير مسبوق، وعقل الساسة جامد، ينتظر فعلا من افعال الغيب، او حراكا تموزيا يخشاه العراقيون كثيرا .