محاصرة الذكاء الاصطناعي وترويضه

علوم وتكنلوجيا 2024/08/12
...

 مهند حبيب السماوي

في خطوةٍ تاريخيَّة ينتظرها الملايين ووسط سباقٍ عالميٍ محمومٍ لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، صدر، في الأيام القليلة الماضية، قانون الذكاء الاصطناعي بعد حصوله على الموافقة النهائية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو يعد القانون الأول من نوعه عالميا الذي يعالج هذا الموضوع ويتناول تفاصيله. تعود بدايات هذا القانون الى العام 2020 حينما اقترحته المفوضيَّة الأوروبيَّة، وهو يمثل جزءا من جهود الاتحاد الأوروبي لمواجهة الآثار السلبيَّة والمخاطر المحتملة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال السعي لتنظيم كيفيَّة عمل الذكاء الاصطناعي واستخدامه من قبل الشركات على نحوٍ سليمٍ وأخلاقيٍ في بيئة آمنة للمستخدم.

يستهدفُ القانون بشكلٍ رئيسٍ، الشركات التكنولوجيَّة الأميركيَّة الكبرى مثل (مايكروسوفت، غوغل، أمازون، أبل، وميتا)، التي تعدُّ المطور والمُنتج الرئيس لأنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، كما أنَّ تأثيره سيمتدُّ أيضًا ليشمل العديد من الشركات والمنظمات العاملة داخل الاتحاد الأوروبي والتي تتعامل أو تطور أو تنتج أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها وكل ما يتعلق بهذا

العالم.

يحاول القانون أنْ يضع إطارًا تنظيميًا شاملًا ومنسقًا للذكاء الاصطناعي في دول الاتحاد الأوروبي، ويسعى لتحقيق التوازن بين تعزيز الابتكار في الذكاء الاصطناعي من جهة، وحماية المجتمع من مخاطره من جهة أخرى، إذ يطالب القانون من الشركات أنْ تكون البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي ذات جودة عالية ومهنيَّة لتقليل زلّات التحيز والعنصريَّة، والأحكام والقرارات غير

القانونيَّة.

كما أنَّ القانون يشترط، في الوقت ذاته، على الأنظمة عالية المخاطر أنْ تكونَ ذات إشرافٍ بشري لضمان دقتها وشفافيتها وعدم وقوعها في الأخطاء الكارثيَّة، ولذا يحاول القانون تنظيم تطبيقات الذكاء الاصطناعي بناءً على مستويات المخاطر الخاصة بها، فهو يسعى للتعامل مع المركبات المستقلة والأجهزة الطبيَّة، مثلاً، بطريقة أكثر صرامة ويسعى لوضع التزامات مشددة لتقييم مخاطر هذه الأنظمة والتخفيف من

حدتها.

وسيفرض القانون متطلباتٍ صارمة على نماذج الذكاء الاصطناعي «التوليدي» مثل شات GPT من شركة OpenAI و”جيميني” من Google لمعرفة مشرعي هذا القانون أهميَّة هذا النوع من الأنظمة وخطورتها، وبرغم ذلك، ستُمنح هذه الأنظمة التوليديَّة المتاحة للمستخدمين تجاريًا، مدة تصل إلى 36 شهرًا للامتثال للقانون، كما أنَّ هذا القانون ستنفذ مقرراته بصورة تدريجيَّة وصولاً الى دخولها حيز التنفيذ الكامل بحلول العام

2026.

وفي ما يتعلق بالعقوبات، فإنَّ الشركات التي تنتهك هذا القانون قد تواجه غراماتٍ تصل إلى نحو 38 مليون دولار أميركي، أو 7 ٪ من الإيرادات السنويَّة العالميَّة، وهي تتجاوز غرامة انتهاك اللائحة العامَّة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي التي لا تتجاوز 22 مليون دولار أميركي، أو 4 ٪ من الإيرادات السنويَّة العالميَّة للشركة.

ولهذا القانون أهميَّة أخرى تكمن، من وجهة نظري، في تشجيعه الحكومات في أنحاء العالم المختلفة على صياغة أو وضع أطرٍ مماثلة للتعامل مع “غول” الذكاء الاصطناعي، ما يسهم ويعزز السيطرة عليه من خلال تطوير أنظمة قانونيَّة دوليَّة تعملُ على تنظيم هذه التكنولوجيا المتقدمة والخطيرة وتضع حدوداً معينة لتحركاتها.

وبإصدار هذا القانون، يخطو الاتحاد الأوروبي خطوة مهمَّة وعمليَّة نحو تنظيم أهم منتجٍ في الوقت الحاضر، ونأمل من الدول العربيَّة، وبقيَّة دول العالم، أنْ تحذو حذوها في هذا المضمار لمجابهة المخاطر المحتملة للتكنولوجيا الحديثة المتمثلة بالذكاء

الاصطناعي.