أ.د مازن خلف ناصر
لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد حِلم يراود البعض أو ضرباً من ضروب الخيال العلمي، بل أضحى حقيقة واقعيَّة تحظى بتطبيقاتٍ عدة تحاكي الذكاء البشري حيناً، وتتفوق عليه أحياناً كثيرة، فضلا عن إسهامه الى حدٍ كبيرٍ في معالجة الكثير من الحالات الحرجة والصعبة في المجال الطبي، كالمساعدة على الوصول الى مناطق حساسة داخل جسم الإنسان كالأعصاب والأوعية الدمويَّة وجراحة الحروق وعمليات أطفال الأنابيب وزراعة الكلى وغيرها من الجراحات الدقيقة للغاية، وما يرافق ذلك من أخطاءٍ طبيَّة جراحيَّة، تتسبب أحياناً في موت المريض أو حدوث عاهة مستديمة له في أحيانٍ أخرى، فأمام هذا الخطأ الطبي الجراحي يطرح تساؤل مهمٌ: على من تقع المسؤوليَّة الجزائيَّة منها أو المدنيَّة؟ فهل يمكن لذوي المريض مقاضاة مالك الروبوت أو المستخدم له أو الشركة المصنعة له أو الروبوت نفسه؟ وما حكم ذلك في القانون العراقي؟
ليس لدينا مثالٌ حيٌّ على هذا الاستخدام الحيوي للذكاء الاصطناعي في العراق في الوقت الحاضر ومن ثم تسببه في وقوع أخطاءٍ طبيَّة، فهو استحداثٌ لم يرَ النور بعد، غير أنه في العام 2004 تمَّ استخدام الروبوت الجراحي (Surgical Robot) لأول مرة في المملكة العربيَّة السعوديَّة في مستشفى الملك خالد الجامعي لإجراء عمليَّة جراحيَّة نادرة في جراحة الأطفال وهي عمليَّة (ربط معدة) لطفلة كانت تعاني من سمنة مفرطة، أدت الى عدم قدرتها على الحركة بشكلٍ دائم.
فرغم ما تتسم به الجراحة الروبوتيَّة من خصائص مذهلة ومفرحة كالشفاء العاجل للمريض ووجود ألمٍ ونزفٍ أقل وتدخل جراحي محدود، إلا أنه لا ينكر ووفقاً لقواعد المسؤوليَّة في القانون العراقي تحقق الخطأ الطبي المادي الذي ينسبُ الى الطبيب، إذا ثبت إخلاله بواجب الحيطة والحذر المفروض عليه وفقاً للمادة (35) من قانون العقوبات العراقي، كما لو كان في حالة سكر أو تخدير أو عدم تعقيم الأدوات الجراحيَّة، ومن ثم يسأل الطبيب مهما كان نوع الخطأ الطبي المهني دون إمكانيَّة تمسكه باستعمال الحق كسبب للإباحة وفقاً للمادة (41/2) من قانون العقوبات العراقي، وقد استقرَّ على هذا الرأي قضاء محكمة التمييز العراقيَّة في أغلب أحكامه، وكذلك محكمة النقض الفرنسيَّة والمصريَّة، كما لا يستبعد خطأ المالك أو المستخدم الذي قد يسيء استخدامه للروبوت، الأمر الذي يترتب عليه حدوث جريمة معينة، يعاقب عليها القانون بإحدى العقوبات الأصليَّة (العقوبات السالبة للحريَّة أو العقوبات الماليَّة)، ولا يجوز لهما الاحتجاج بالجهل بكيفيَّة استخدام تلك التقنيات، بل أنَّ مسؤوليتهما مفترضة بشأن الجرائم المرتكبة من خلال الروبوت الجراحي، شأنهم في ذلك شأن مسؤوليَّة المصنع للروبوت الجراحي فهو الآخر لا يمكنه التنصل عن هذه المسؤوليَّة باتهام العامل في المصنع الذي لا يفقه شيئاً بالروبوتات وأنه كان جزءاً من عمليَّة تصنيعه.
بيد أنَّه من الناحية الواقعيَّة لا يمكن مساءلة الروبوت الجراحي عن أخطائه الطبيَّة، كونه لا يملك عناصر الأهليَّة للشخص الطبيعي، وإنما خاضعٌ لإرادة وإدراك جهات متعددة من بينها المالك أو الطبيب المشرف أو المصنع للروبوت الجراحي، مع إمكانيَّة تطبيق نظريَّة الفاعل المعنوي وفق أحكام المادة (47) من قانون العقوبات العراقي، التي نصَّت على أنه «يعدُّ فاعلاً للجريمة: 3 – من دفع بأيَّة وسيلة، شخصاً على تنفيذ الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الشخص غير مسؤول جزائياً عنها لأي
سبب».
ومن جانبنا نقترح على المشرع العراقي النص صراحة على اعتبار الروبوت آلة مبرمجة بيد المالك أو المصمم أو المستخدم يسيء استخدام هذه الآلة لمصالحه الشخصيَّة، ومن ثم تحديد العقوبات المناسبة لهؤلاء وبحسب درجة الخطأ الوارد منهم، فضلاً عن إمكانيَّة الحكم بالتعويض دون إلزام المتضرر من أخطاء الروبوت الجراحي إثبات خطائه أو وجود عيبٍ في تصنيعه.
وفي حالة القبول بفكرة المسؤوليَّة الجزائيَّة للروبوت الجراحي وعدّه بحكم الشخص المعنوي، نقترح إمكانيَّة فرض عقوبات تنسجمُ مع طبيعة هذه الآلة والتي تتمثل بحذف البرنامج الذي يتحكم في إدائه وهو بمثابة عقوبة إعدام له أو إخراج الروبوت من الاستعمال لفترة محددة، وهذا كله يتطلب اعترافاً له بالشخصيَّة القانونيَّة.