الموتُ والاحتضارُ في الأدب(*)
جون سكيلتون
ترجمة: د فارس عزيز المدرس
قد نجدُ سطوراً شخصيةٌ مؤثرة للغاية؛ مكتوبةٌ بطريقةِ الشعر الغنائي؛ على شواهد القبور أو أعمدةِ الذكريات أو جذوعِ الأشجار؛ وهي تختصر سلسلةً مِن آلامٍ ومشاعر لا تنتهي؛ على الأقل لدى كاتبيها، فكيف يكتبُ الناسُ عن الموتِ والاحتضار؟.
قد نرى عبارة: “لقد تعثرَتْ على جانبِ الطريق وأخذتها الملائكةُ إلى منزلها”، والإنترنت مليء بهكذا عبارات، على الرغم من أنَّ بعضَها مُلفَّقٌ. وفي الطرفِ الآخر هناك الموتُ في الأدب، وعلى سبيل المثال رِثاء الملك ليْر لابنتِه المتوفاة كورديليا؛ الذي ينتهي بهذا المشهد من مسرحية (الملك لير لشكسبير: الفصل الخامس، المشهد الثالث):
“لا، لا، لا حياة!
لماذا يجب أنْ يكون للكلب أو الحصان أو الفأر حياة،
ولا تتنفس هي على الإطلاق؟ لن تعود أبداً،
أبداً، أبداً، أبداً!
هل ترى هذا؟ انظرْ إليها، انظر إلى شفتيها، انظر هناك، انظر هناك!” “
ويموت لير ربما تحت الوهم بأنَّ كورديليا لا تزال على قيد الحياة. وكجزءٍ من تسليطِ الضوء على الموت ومعانيه أُعيدت كتابةُ المسرحية في القرن الثامن عشر؛ ولكنْ بنهايةٍ سعيدةٍ تعكس الروح الأكثر تفاؤلاً لعصرٍ اعتُقد أنَّه - على حدِّ تعبير فولتير الشهير - “أفضل العوالم الممكنة”. وفي القرن العشرين كتب إدوارد بوند نسخةً مِن قصة الملك لير؛ وكانت أكثر كآبة من النسخة الأصلية لشكسبير، على أساس أنَّ شكسبير كان متفائلاً للغاية!.
أحدُ الأشياءِ المركزية التي يمكن للأدب أنْ يجعلنا أكثر وعياً بها هو أنَّ الموتَ يعني أشياءً مختلفةً في أوقات مختلفةٍ. ولكن هذين النوعين من النصوص - العادي والسامي - لديهما أشياءٌ مشتركة؛ إذ يحاولان التعبيرَ عن بعض مَشاعر الحزنِ، ويحاولان إعطاءَ شكلٍ لأفكارِنا حول الموت. ويؤكد الأول على الإيمان بالنظام الديني النهائي للكون؛ وهذه مسألةٌ يتناولها شكسبير أيضاً بقوله: أين العدالةُ إذا مات الناسُ الطيبون؟
والنوعُ الثاني من النصوص ما نجده في الأدب. والأدبَ العظيم “ Literature “ الذي يبدأ بحرف “أ” كبير يستخدم الموتَ لأغراضِه الخاصة؛ فمقتل كورديليا مهما كان مؤثراً على المسرح؛ فهو أداةٌ وظيفية.
والواقع فإنَّ العديد من الوفيات الخياليةِ ليست مؤثرة وصادقة مع تجاربنا الشخصية أو المهنية. وبعبارة أخرى: لا نجد المشاعر مُعبراً عنها في الأدب العظيم فحسب، لذلك أحاول في هذه الورقة أن أفصِّلَ - وإن كان بطريقة سلسة - عدداً مِن الطرق المختلفة التي يتمُّ بها تقديم الموتِ والاحتضارِ في الكتابة؛ فأتناول أولاً الرواياتِ الشخصية عن الموت والاحتضار، ثم أبيِّن كيف تُستخدم الكتابةُ في هيكلةِ وتنظيم تجربتنا مع الموت، وأخيراً أناقش بعضَ الاستخداماتِ الوظيفية التي يستخدمها الكُتابُ عن الموتِ والاحتضار.
سأقتبس بقدر ما تسمح به المساحةُ للمؤلفين بالتحدُّث عن أنفسِهم؛ على أملِ أنْ يستمتعَ القراء بالاتصالِ بأسماءٍ ربما تكون غيرَ مألوفةٍ لديهم؛ أو تشجيعهم على التعمُّقِ في ما كتبوا.
وعلى الرغم مِن أنَّ كلمة “أدب” لها استخداماتٌ عديدةٌ فأستخدمها هنا بالمعنى التقليدي المألوف لدى طلاب الأدب الإنجليزي في المستوى المتقدم؛ وبالتالي فإنَّ شكسبير هو الأدبُ، ولكن هذه الورقةُ ليست كذلك.
الروايات الشخصية
إنَّ الأدبَ يمسُّ مشاعرَنا، وربما يكون هذا مِن أعظم سِماته، ومع ذلك فقوةُ الفنونِ متناقضةٌ، وقد تعمي القارئ عن الهُراءِ العاطفي؛ فمَن منَّا يختلف مع معنى العبارة الشهيرة التي أطلقها نويل كوارد: “ من العجيب أنَّ الموسيقى الرخيصة قوية للغاية “.
كان ديكنز واحداً مِن أعظم الكتَّاب، ولكنه كالعديدِ من أهلِ العصر الفيكتوري، كان شديدَ التأثُّرِ بالعاطفة في وصفه وفاة الطفلةِ الفقيرة (نيل)؛ في روايةِ “متجر التحف القديم”. وديكنز مدينٌ لشكسبير بفضلٍ كبير في أعماله؛ لاحظْ أوجه التشابه بين وفاة هذه الطفلة ووفاة كورديليا، أعلاه. فالمتحدثُ الأول هو الرجل العجوز الذي أصبحت نيل صديقة له؛ يقول:
“... إنها نائمة بعمق”، “ولكنْ لا عجب، لقد تناثرت أيدي الملائكةِ على الأرض، والطيورُ نفسُها ماتت؛ كي لا توقظها. كانت تطعمهم، يا سيدي. على الرغم من أنها لم تكن باردةً وجائعة أبداً، إلا أنَّ الأشياءَ الخجولة كانت تطير بعيداً عنا؛ لكنها لم تطِرْ بعيداً عنها أبدا!”
إذا لم يدفعنا هذا إلى الاستسلامِ المُذل والدموعُ العاطفية فقد تكون المشاعر التي تثيرها أكثر تعقيداً. وواقعياً “مَن الذي يستطيع أنْ يقرأ موتَ نيل الصغيرة دون أنْ يضحك؟” كما قال أوسكار وايلد ذات مرة. وهذا المزيجُ من الحرَج المعقدِ والفكاهة والذهول هو الذي يلوِّن استجابتِنا لهذا الشعر. ويمكن للنقوش على شواهد القبور في مقبرة نموذجية أنْ تحركَ أيضاً أكثرَ الأشخاصِ جديَّة إلى الضحك.
أنَّ هذا لا يعني أنَّ فقرَ التعبيرِ هو نفسُه فقْرُ الشعور؛ وبعد كلِّ شيء فإنَّ أحدَ دروس الملك لير هو أنَّ المشاعرَ الحقيقيةَ أعمقُ مِن أنْ يُعبَّر عنها الكلمات: احذر من أولئك الذين مثلُ بناتِ لير الشريرات؛ يمكنهم التعبير عن حبِهم. إنَّ الثقةَ في القديسةِ كورديليا هي السببُ الذي يجعل المريضَ المحتضِر أو القريب المفجوع يرحِّب بالتحرُّر الذي يجلبُه الأدب؛ فقد يشعرون بأنَّ قدرتَهم على التعبير عن أنفسِهم قد فشلت؛ وأنَّ هناك راحةٌ في كلماتِ النصوص؛ وإمكانيِّة أنْ تجعلنا نقول: “هذا ما أعنيه”.
مِن الواضح أنَّ الأطباءَ والمرضى على حدٍّ سواء يشتركون في أعظم صعوبةٍ عندما يلجؤون إلى الأدبِ كوسيلةٍ لمشاركةِ الخبرة، لكنْ يمكن لحواجزِ السياق أنْ تفرض نفسَها بشكلٍ أو بآخر بين القرَّاءِ الأكثر حسن النية. وهذا يعني أننا نلجأ إلى الكتابةِ حيث تختفي الحواجزُ فعلياً، لأنَّ الثقافة هي ثقافتنا ونوعُ القراءةِ التي يطلَّبها النصُّ هو النوعُ الذي نقوم به على أية حال.
وللتدليل على ما سبق لنتذكرَ أننا قد نلجأ إلى قراءةِ رواياتِ كُتابٍ مرضى؛ كما حدث مع الصحفيين جون دايموند وأوسكار مور، ضحايا سرطان الحلق والإيدز على التوالي؛ ولكن هذه لعبةٌ يفهم الكثيرُ منَّا قواعدها، فالكتابة - وهي نسخ ذكيِّة من قدرة الطبقات الثرثارة على التعبير- لها بالتالي قوةٌ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بثقتِنا في أننا نعرف ما يجري.
يبدو أنَّ قضيةَ الجودة وما إذا كانت هذه “كتابة جيدة” ليست ذاتُ صلةٍ، وربما يكون نصٌ مِثلَ هذا وسيلةٌ لوضع المصابين وأقاربهم على اتصال بتجربةٍ أخرى. إنني أتحدث عن تخفيف عبءِ الوحدة، ومِن اللطيف أنْ نلاحظ أنَّ مور لا يقول في الواقع إلا القليل، وهو أمرٌ مفيد للغاية. ولا يوجد شيءٌ لا يستطيع الأصحاءُ تخمينَه؛ بشأنِ ما يشعر به المحتضِر. وفي النهاية لا نقرأ له من أجلِ جودةِ أفكاره أو مشاعره، بل مِن أجلِ الشعور بشخصٍ يكتب مثلما نريد.
هذه هي الكتابةُ في أكثر صورِها إلحاحاً؛ إذ يُمنح المرءُ الإذنَ بمشاهدةِ الكاتِبَ يموت. وعصرياً ربما يكون الأمرُ أكثر شِبهاً بهذا حين يمنحنا الإنترنت فرصةً للكتابة بشكلٍ تفاعلي مع مثل هكذا نصوص؛ فلا نكتفي بالسماع؛ بل نشارك في صناعةِ النصِّ وإدخال مشاعرنا أو معاناتنا فيه.
إنَّ فهمِ الموتِ أحدُ المهامِ الأساسية للأدب؛ فهو يفرض بنيةً على الحياةِ والموت يعطيهما معنى. ثمَّ أنَّ الأدبَ يهدف بالقدر نفسِه إلى اليقين الذي يهدف إليه العلمُ في فهم العالم الذي نعيش فيه؛ ويفسِّر دورنَا كمشاركين في الحالة الإنسانية. والصعوبةُ التي يواجهها غير المتخصص تكمن في فهمِ الطرق المختلفة التي يعمل بها الأدب، وهذا صحيح بشكلٍ خاص عندما يتعلَّق الأمرُ بمسألةِ الفهمِ عِبر الزمان والمكان.
يمنح الأدب قوةً وإقناعاً بالكتابة التي تتحدَّث بوضوح إلى أولئك الذين ينتمون إلى ديانات أخرى، أو الذين لا ينتمون إلى أيِّ دين؛ وهذا هو جون دون الذي أصبح رجلَ ديْنٍ في وقتٍ لاحقٍ من حياته؛ غالباً ما يُنظر إليه بوصفه أحدَ أعظم الشعراء الإنجليز على الإطلاق. وربما يكون من الأفضل قراءة قصائده بصوت عالٍ؛ وبشغف؛ للكشف عن قوةِ الانتصار على الموت الذي نحتفل به ونحتاجه:
“لا تكن أيُّها الموت مغروراً، فعلى الرغم من أنَّ البعضَ أطلق عليك لقبَ القويِّ المرعب، لكنك لست كذلك، لأنَّ أولئك الذين تعتقد أنك ستهزمهم لا يموتون. أيَّها الموتُ المسكين لا يمكنك أنْ تقتلني بعد، فمنك ستتدفق الكثيرُ مِن المتعة. وحين يرحل أفضلُ رجالنا معك؛ فسترتاح عظامهم، وتتحرر أرواحُهم. ما أنت إلا عبدُ القدَرِ والصدفةِ والملوك والرجال اليائسين. إنك تسكن بالسمِّ والحرب والمرض، والخشخاش أو التعويذات. نعم يمكن أنْ تجعلنا ننام، لكنْ لن يكون هناك موتٌ بعد الآن، ستموت أنت أيها الموت.
(جون دون، السونيتة المقدسة العاشرة: “الموت، لا تكن مغروراً”)
وهذا الأمرُ ينجح بسبب الفهم المشترك الذي قد يتوصَّل إليه أغلبُ القراء في ما يتصل بالسياق الثقافي والديني؛ حتى لو لم يشتركوا في نظام المعتقدات. وبعبارةٍ أخرى فإنَّ الألفة الثقافية تشكِّل أهميةً جوهريةً في فهم الأشياء؛ بصِيغ معينة دون أخرى، وهذا ما يحاول الأدبُ إحداثه في نفس القارئ.
قارن هذا على سبيل المثالِ بالنقوشِ من الثقافات الأخرى، التي فقدت قيمتَها الاجتماعية بالنسبة لنا الآن. لقد كان قدماء المصريين يولونَ أهميةً كبيرة لرواياتهم المكتوبة على مقابرهم، ولكن هذه النصوصُ التي يُطلق عليها أحياناً “السير الذاتية”، لا تحمل أيَّ معنىً حقيقي لنا الآن، ما لم نكن علماءَ آثارٍ أو مؤرخين.
مِن الواضحِ أنَّ الكثيرَ مما تم اقتباسه أعلاه هو أدبٌ يسعى إلى إثباتِ أنَّ الوفياتِ المعينة تندرج ضمن نوعٍ ما من المخطط القدَري الشامل، وقد يكون هذا سرداً إسخاتولوجيا (علم الأخرويات)، ونحن نأمل أنْ يؤخذ موتنا على مَحمل الجد. وعلى أي حالٍ فما يهم هو السياق الذي يوضع فيه الموت. لكن الأدبَ يرى أنَّ للموتِ وظائفَ عديدةً. وبعبارة أخرى؛ يمنح سياقُ الأدبِ الموتَ والاحتضار العديدَ مِن الأدوار التي يجب أنْ يلعبَها.
وفي نطاق آخر هناك نوعٌ من الكتابة عن الموت لا تعنى بالموت لذاته؛ بقدْر ما تعنى بدوافعه ومسبباته؛ سواءُ بهدفِ تحليل الجرائم نفسياً أو لغرض التشويق؛ فيما يشبه الأحجية. وفي هذا النطاق يتمثَّل أحدُ أكثر أنواعِ الموت شيوعاً في الأعمال الخيالية، وهو اكتشافُ الجثةِ في لغز “مَن هو الجاني” أو لغز القتل، وقد يتطلَّب هذا منا عدمَ بذلِ عاطفةٍ أعمق مما نفعل في حلِّ لغز الكلماتِ المتقاطعة، أو قد يهدف إلى بذلِ المزيد مِن الجهد. وهذا النطاقُ يتعلَّق بدوافعِ الفعل، أو “لماذا فعل ذلك”، حيث لا تكون هويةُ القاتلِ مهمةً؛ بقدْر أهميةِ دوافعه. وضعْ في اعتبارك هنا أنَّ أعظم القيود على كُتابِ قصص الجريمة هو أنهم لا يستطيعون وصف دوافع شخصياتهم جيداً، وإلا فسوف يتَّضحُ على الفور مَن هو القاتل.
إنَّ وظيفة موت البطل في التراجيديا والملحمة مِن أقدم الأعراف الأدبية، ولقد نظرنا إلى الملك لير؛ ولكن يجدر بنا أن نذكِّرَ أنفسَنا بالطريقةِ التي تختلف بها فكرةُ الموت الطيب؛ مِن مجتمعٍ إلى آخر. وهذا هو موتُ البطلِ الطروادي.
بعضُ الأحيان تأخذنا الأعرافُ بعيداً عن الموتِ نفسِه. والرواياتُ مليئةٌ بالوفياتِ التي ترمز إلى موتِ شيءٍ جيد في المجتمع، وهناك أوقاتٌ تكون فيها الإشاراتُ إلى الموتِ عرَضيةٌ أو متكلَّفة للغاية، بحيث لا تتمتَّع بأيِّ قوةٍ حقيقيةٍ على الإطلاق مثل قسم مِن أغاني الحبِّ من عصر النهضة إلى أغاني اليوم، التي تفتعل المأساة وتعيشها للتلذذ، أو لكسبِ عطف القارئين، والمثالُ الممتاز والمختصر والذكي لهذا النوع مِن السلوكيات هو قصيدةُ صمويل بيكيت:
“أود أن يموت حبيبي
وأن يهطلَ المطرُ على المقبرة
وأنْ أسير في الشوارع
أبكي على أول وآخر من أحبني”.
(صموئيل بيكيت، 1984. بإذن من دار كالدر للنشر.)
وعليه يمكن القول: إنَّ الموتَ في الأدبِ شيءٌ متنوعٌ تماماً؛ كما هو الحال مع الموت في المجتمع. والموتُ هو أيضاً قدَرٌ لا مفرَّ منه لكلِّ مِنا كأفراد، ولهذا السبب تغلغل في أفكارنا على كافة المستويات؛ بدءاً مِن الشعور المباشر بالدمار الذي يسبِّبه لنا الحزن الشخصي إلى الطرق التي نتعامل بها مع حقيقةِ الموت؛ من خلال دفعها إلى السطح، بشكل مألوف ومريح.
ومن بين استخداماتِ الأدبِ في المِهن الصحية مساعدةُ الناسِ على أنْ يصبحوا أكثرَ قدرةٍ على التعبير عن مخاوفِهم وهمومهم، ومساعدتهم على “التحدث عن مشاعرهم”.
وكثيراً ما يقال إنَّ قراءةِ الأدبِ مِن شأنها أنْ تساعدَ المهنيين الصحيين أيضاً، لاسيما عندما يكونون صغاراً ويفتقرون إلى الخبرة؛ أو ربما عندما يكبرون ويتأثرون بسخرية الخبرة. وهذه وظائفُ قيِّمة بالطبع، ولكنَّها تميل إلى إبعادنا عن الإحساسِ الحقيقيِّ بماهيَّة الأدب، وما يمكن أنْ يفعله؛ إذا ما دأبنا عليه بالفعل بالدراسة والقراءة مراراً وتكراراً.
الأدب مع ذلك صعبٌ؛ وإذا فشلنا في فهمِه فقد يكون ذلك لأننا لا نعرف إلا القليلَ عن الثقافات التي جلبتْه إلى الوجود، أو لا نستطيع التعرفُ عليها أو تقدير التقنيات التي يتمُّ من خلالها تحقيقه؛ وليس لأننا نفتقر إلى المشاعر الأكثر دقة. ويترتَّب على هذا أنَّ دورَ الأدبِ كجزء من الحركة المتنامية في “العلوم الإنسانية الطبية” يمكن تفسيره بشكلٍ ضيق للغاية. إذا كان على الطالب أنْ يتولى شيئاً غنياً دائماً وصعباً في كثير مِن الأحيان؛ فالأدبُ وسيلةٌ لفهْم ما يعنيه أنْ تكون إنساناً.
إنَّ إحدى الهدايا التي يمكن أنْ يقدِّمَها الأدبُ للذين لديهم تدريب علْمي تتمثَّل بكونِه ليس اختزالياً، ويمكنه أنْ يؤكد حقيقةً مفادُها: أنَّ هناك طُرقاً للفهمِ لا يمكن اختبارُها مِن خلال أسئلة الاختيار، ودورُ الأدبِ هو ملاحظةُ أنَّ العالم كما نختبره معقدٌ بشكلٍ لا يمكن اختزاله.
(*) (3) (PDF) Death and dying in literature (researchgate.net)