الصحة النفسيَّة للأمهات وعودة الأبناء للدراسة

منصة 2024/09/19
...

يكاد لا يخلو بيت عراقيٌّ من أطفالٍ بعمر الروضة أو المدارس الابتدائيَّة أو طلبة المدارس المتوسطة والإعداديَّة والجامعات، ومع انطلاق بداية كل عامٍ دراسي، تجد الأمُّ نفسها أمام معادلة صعبة ومهمة شاقة تقتضي الموازنة بين تعليم أطفالها وبين مسؤولياتها الوظيفيَّة، والتوفيق بين مهمة رعايتهم والحرص على إنجاح عمليَّة تعليمهم وبين مسؤولياتها الوظيفيَّة التي تتطلبُ التزامها بمهام شؤون المنزل والوظيفة إن كانت موظفة.

ويشير المختصون إلى أنَّ الشعور بالتقصير يراودُ الكثيرَ من الأمهات اللاتي يبحثن عن المثاليَّة في رعاية أبنائهنَّ وفي تحقيق طموحهنَّ الوظيفي، لافتين الانتباه إلى أنَّ هذا الإحساس هو في الأصل إحساسٌ خاطئٌ، منبهين إلى أنَّ الكثير من الأمهات يعشن حالة دائمة من الإحساس بالذنب والتقصير تجاه أطفالهنَّ ما يمنعهنَّ من الاستمتاع بمغريات الحياة؛ حيث يغرقن في أفكارٍ وتساؤلاتٍ لا تنتهي، فضلاً عن أنَّ ما يحصل له آثارٌ نفسيَّة على صحة الأطفال وتعليمهم أيضاً.

ويضيفون، أنَّ هذه المشاعر لا تنتاب الأمَّ الموظفة فقط، بل وربة البيت أيضاً، فهي أيضاً تعرّض نفسها إلى جلد الذات في الكثير من الأحيان؛ لأنها قد لا تقوم بأي نشاطٍ تثري به حياة أطفالها، وأنَّها قد تضع قواعد وقيوداً لأبنائها تحدُّ بها من حريتهم.

وفي ما يخص الطلبة، فإنَّ عدداً كبيراً منهم يصابُ بالقلق والتوتر، لا سيما أولئك الذين ينتقلون من مرحلة دراسيَّة الى أخرى، وربما يتعرضون الى اضطرابات جسميَّة من قبيل آلام المعدة والإسهال والصداع والأرق بفعل التوتر والقلق. وما يحصل هو أنَّ الأمَّ تكون هي الأكثر خوفاً عليهم والانشغال بهم.

من جهة أخرى، يوصي المتخصصون بالإرشاد الأسري، بجلوس الأم مع ابنها أو بنتها، لتحاول معرفة ما الذي يجعله يقلق من الذهاب إلى المدرسة، هل هو قلقٌ بشأن مستواه الدراسي؟ أم يصعبُ عليه تكوين صداقات جديدة؟ أم هو قلقٌ من أنْ تكون الواجبات المنزليَّة صعبة؟ أم يوجد شيءٌ جديدٌ يسببُ له القلق؟ فتساعده نفسياً على خفض التوتر، وتفهمه أنَّ المدرسة هي واحدة من أهم الأماكن التي يتعلم فيها الطلاب والطالبات ليس فقط ما موجود في كتبهم الدراسيَّة، بل وكيف ينمون فكرياً واجتماعياً وعاطفياً، وتبث فيه الشعور بالتفاؤل والثقة بالنفس، وما أجملها عنده وأصعبها عليه حين تقول له: يجي يوم تشيل راسي واتباهى بيك. إنَّ دعم وتعزيز الصحة النفسيَّة لجميع أفراد الأسرة أمرٌ ضروريٌ ومهمٌ في سبيل عيش حياة أسريَّة متوازنة وخالية من المشكلات، وخاصة الصحة النفسيَّة للأم كونها معرضة لضغوطٍ أكثر، لا سيما مع بدء عودة الدراسة. وإذا علمنا أنَّ الصحة النفسيَّة للأم تعني، كما تعرّفها منظمة الصحة العالميَّة بأنها: (حالة من الاستقرار النفسي للأم، والتي تمكنها من التعامل مع ضغوط الحياة اليوميَّة، والعمل بشكلٍ منتجٍ ومثمرٍ، وتكون من خلالها قادرة على المساهمة بفاعليَّة في مجتمعها)، فإنَّ تحقيق ذلك هو مسؤوليَّة كل أفراد الأسرة.

وللآباء نقول: إنَّ الواجب يقضي بأنْ يكون الزوج سنداً وداعماً لزوجته، وأنْ يفهم أولاده وبناته بأنَّ للأم قدرة على التحمل، وأنَّ عليهم ألا يثقلوا كاهلها كي لا يحصل لها ما يجعلهم يندمون على كثرة مطالبهم من أمّهم، من رعايتهم نفسياً الى العناية بمظهرهم الى إطعامهم الى ملابسهم، بما فيها انها تلبسهم أحذيتهم.

وللأولاد والبنات نقول: رفقاً بأمهاتكم فهنَّ أغلى شيء في حياتكم، واعلموا أنكم حتى لو بلغتم الخمسين فإنَّكم ستحنون الى وضع الرأس في أحضانهنّ.