كربلاء: أوس ستار الغانمي
رشا يوسف شعبان، رسامة تشكيلية من البصرة، تعشق الرسم الزيتي، وتجسد في أعمالها التجربة الإنسانية من خلال دمج التراث بالمعاصرة. تستلهم من التاريخ والذاكرة للتعبير عن الهوية، وتوازن بين الأصالة والتجديد، مستفيدة من تطور وسائل الاتصال لمواكبة الأحداث العالمية.تقول: تحاكي لوحاتي الواقع، حيث أركز على الأحداث التي تحدث في المجتمع. في الآونة الأخيرة، توجهت بشكل خاص إلى تصوير المرأة كرمز للاضطهاد. كما يقال إن الفنان يعكس بيئته وتجربته الشخصية من خلال أعماله، لذا فإن تجربتي الحياتية تؤثر بشكل كبير في فني.
وعن الدور الذي يلعبه التاريخ والذاكرة في أعمالها الفنية، خاصة في سياق مدينة مثل البصرة التي تحمل تاريخاً عريقاً تؤكد: يجب على كل فنان أن يستمد إلهامه من التاريخ، فهو يمثل التراث والموروث لكل من يقدّر الفن، وبشكل خاص للفنان نفسه. في رأيي، يقدم التاريخ وجبة بصرية متكاملة للفنان. لكن، كيف يمكن للفنان أن يوظف ما تراه عيناه وما تحسه مشاعره وهواجسه، خاصةً في مدينة غنية بالعلم والأدب مثل مدينة السياب، التي تشكل مدينة الثقافة والرياضة.
وعن تعاملها مع مفهوم الهوية في الفن، سواء على المستوى الشخصي كرسامة أو على مستوى المجتمع الذي تنتمي إليه تشير موضحة: من منظور شخصي، تعد الهوية سلاح الفنان العربي والفنان المسلم. ما يميز الفن العربي عن الغربي هو اعتزاز الفنان بهويته، حيث يلجأ الفنان المسلم إلى التجريد والزخارف النباتية والحيوانية والكتابية. ويظهر ذلك بوضوح في المساجد كمثال. أنا أتعامل مع الهوية بالطريقة نفسها التي تعامل بها الفنانون السابقون، حيث أعتز بها وأقدم أعمالًا تذكرني بأجدادي السومريين. وتجسدت هذه الفكرة في أحد أعمالي خلال افتتاح كرنفال الرياضة خليجي 25، حيث دمجت التراث بالمعاصرة في عمل فني ينتمي إلى الواقعية السحرية، معتمدًا على طرح واقعي من حيث المفردات، ولكن مع إدخال عنصر الخيال ودمج التراث بطريقة معاصرة.
وبما أن الرسم الزيتي يتطلب صبراً ووقتاً طويلاً، تشرح رشا هذه العلاقة بين الزمن وعملية الخلق الفني مبينة: بلا شك، يتطلب الرسم الزيتي صبرًا كبيرًا، لكن بالإضافة إلى ذلك يحتاج الفنان إلى حس مرهف ولمسة احترافية تمكنه من ترجمة أحاسيسه ومشاعره وهواجسه، سواء الشعورية أو اللاشعورية، على سطح القماش الأبيض. وبخصوص الأساليب التقليدية في الرسم الزيتي وقدرتها على التعبير عن قضايا معاصرة ومعقدة تلفت إلى أن لكل فنان أسلوباً فنياً خاصاً في التعبير، بعضهم يلجأ إلى السريالية باستخدام فرشاته أو إزميله، بينما يفضل آخرون الأسلوب التجريدي. هناك أيضًا من يعشق المدرسة الواقعية لأنها سهلة القراءة للمتلقي، في حين يفضل آخرون التعبيرية. أنا أستمتع بمزج جميع هذه التيارات الفنية التي ذكرتها.
هناك من يعتقد أن الفن هو وسيلة للهرب من الواقع، بينما يرى آخرون أنه مرآة له. ورشا ترى أن الفن هو رسالة سامية أو خطاب ينقله الفنان للمتلقي، يعبر فيه عن مشاعره وأحاسيسه. في الوقت ذاته، يمكن أن يكون الفن نقدًا اجتماعيًا، لذا يُقال إن الفنان هو العين الناقدة للمجتمع. ويجد بعض الناس الفن وسيلة للهروب، إذ يخلق الفنان عالمًا آخر بعيدًا عن زيف الحياة. مختتمة بكلمة للفيلسوف شوبنهاور: “علينا أن نشكر الفنان لأنه أعارنا عينيه، لنرى ما عجزنا عن رؤيته”.
في وقت تتسارع فيه الأحداث وتزداد تعقيداً، تحافظ رشا على الإلهام والتوازن في إبداعها الفني من خلال متابعة الأحداث الاجتماعية والسياسية والقضايا التي تهم المجتمع عبر الاطلاع على ما يدور في العالم. قائلة: اليوم، بفضل وسائل الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح العالم كله في متناول اليد، حيث يمكن متابعة الأعمال الأوروبية والمعارض في مختلف البلدان الأوروبية والعربية. ويمنح هذا الفنان خزينًا معرفيًا وفنيًا وثقافيًا غنيًا بفضل متابعة الأحداث ومواكبة ما يجري على الساحة الفنية. لذا يجب أن تتسم أعمالي بالمعاصرة لأنها تعكس الأحداث الجارية التي لا تخفى على الفرد.