أفلامُ الكارتون.. وسيلةٌ ترفيهيّةٌ تفتقد لعناصر القصّة الهادفة
رحيم رزاق الجبوري
ظل راسخاً في مخيلتنا الفعل الذي أقدم عليه "نيلز" ذلك الطفل المشاكس والشقي، وبسبب خبث تصرفاته فقد نال جزاء ما يستحق، لكنه تحول فيما بعد لشخص آخر محب للخير وساعٍ لتقديم المساعدة والنصح؛ لكي يعود لوضعه الطبيعي، محاولاً إقناع من كان سبباً في تحويله لقزم صغير، فسافر وهاجر مع سرب الطيور رفيقاً ومسانداً لها في رحلتها الممتعة حول العالم.
ومثله "السندباد" الذي يعرض نفسه للأذى والخطر من أجل تقديم العون والمساعدة أو فعل الخير في العديد من مغامراته الرائعة. وحتى "مغامرات الفضاء" التي احتوت حلقاتها على مشاهدات القتال والحرب، لكن "دايسكي" في نهاية كل حلقة كان يبعث لنا رسائل سلام ويمنّي النفس بأن تنتهي الحرب والدمار وتعيش البشرية بأمن واطمئنان وسلام في هذا الكوكب. والعديد من "أفلام الكارتون" التي تابعناها كانت تحتوي على هدف معين ومضمون حقيقي غايته تهذيب وتربية ذائقة الطفل عبر قصص تتناول تعزيز روح التعاون والمساعدة وزرع الإيثار وحب الآخر وغيرها الكثير من الأهداف النبيلة التي تسهم في تنمية أفكار الطفل وتعزز قيم الوفاء والتعاون وحب الناس وبقية الكائنات التي تعيش على هذه الأرض. لكن للأسف بدأت الشركات العالمية تنتج أفلاماً غريبة في الشكل والمضمون والسيناريو، فغاب عن أغلبها بث مفاهيم التربية السليمة ونبذ السلوكيات المنحرفة، وجنحت بشكل كبير لتصدير صور القتال والعنف والموت، مع شخصيات بملامح غريبة لا تحبها العين، وتنفر منها لبشاعة وقبح تفاصيلها.
انتقاء وفلترة
إلى ذلك يقول د. أيوب عبد الحميد (مختص في طب المجتمع وعلم النفس والسلوك الإنساني): "علينا انتقاء أفلام الكارتون التي نشاهدها نحن أو أولادنا. فبعضها يحمل قيماً إنسانية وأخلاقية عالية، وبعضها يناقش أموراً واقعية وسياسية معاصرة. ومنها ما يخاطب العقول والقلوب. كما أن بعضاً منها يسهم في نشر ثقافة العنف. فأفلام الكارتون تحتاج لبذل جهود جبارة وفريق عمل كبير، لتظهر لنا صورة نهائية تنمي قابلية الطفل وتهذب سلوكه، وكأي شيء آخر في الحياة تقع علينا مسؤولية الاختيار. اختيار ما نشاهده من أفلام بما يتناسب مع قيمنا ومستوى واتجاه الوعي الذي نسعى للوصول إليه".
آثارٌ إيجابية وسلبية
ويرى محمد يحيى جاسم (معلّم وكاتب في الشأن التربوي) أن: "أفلام الكارتون تؤثر في التوجه التربوي والعلمي والنفسي في بناء عقلية الأطفال سواء كانت إيجابية أو سلبية. إذ تعود صناعتها إلى العقد الثالث من القرن العشرين تقريباً، عندما بدأت شركات قديمة ترسم بطريقة أولية ومجهدة، وأخذت تنشر وتروّج لشخصيات معينة عبر أحداث درامية، كشخصية (باباي)، وشخصية (توم وجيري) التي ولدت عام 1946. ولم يكن الكارتون للصغار فقط، بل كان للصغار والكبار معاً، وما زال كذلك إلى الآن في كثير من الدول. لكن مشاغل الحياة وتعدد المهام تدفع الأبوين داخل المنزل إلى أن يتركا أبناءهما يجلسون لفترات طويلة لمشاهدة أفلام الكارتون، إما لإبعادهم عن النزول إلى الشارع وإما رغبة في إلهائهم، ما يؤدي إلى نتائج مستقبلية خطيرة، تنعكس على سلوكياتهم وطريقة حديثهم".
آثارٌ نفسيّة وصحيّة
ويضيف: "يعاني الأطفال من آثار نفسيّة وصحيّة، بسبب الجلوس الطويل في مشاهدة الأفلام. مثل مشكلات النظر والسمنة، وتؤثر سلباً في حال عدم مناسبتها لسنّ مشاهديها، وتأثيرها في سلوكهم ولغتهم، خصوصاً أفلام الكارتون باللغة الإنكليزيّة لغير الناطقين بها. وإن شخصية بطل الكارتون التي تطغى على تركيبة الطفل في تقمصها، قد تتسبب في (آثار أخلاقيّة وتربويّة)، وفي خلق سلوك جامح للأطفال بعيد عن التعاطف؛ كون بعضها تشجع الطفل على تحدي المسؤولين عنه، كالمعلمين، والآباء، فضلاً عن احتماليّة وجود لغة غير مناسبة يتأثر بها الطفل، ما يؤدي إلى استعمالها لاحقاً. كما لها (آثار اجتماعيّة) والتي لا يشترط أن تكون دوماً شخصيات جيدة، بل من الممكن أن يتخذ الطفل الشخصية السيئة قدوة له، ما يؤثر في سلوكه الاجتماعي، ويشجّع على السلوك الوحشي والعدواني، والعنف بقصد أو بغير قصد، بحيث يسهل على الشخصية الكارتونية الهروب بعد تلقيها ضربة مؤذية، ما يجعل الطفل يظن أن تلك الشخصية لم تصب بأي أذى".
تقنين
ويختم، يحيى حديثه، مؤكداً : "وجوب تحديد وقت معيّن لمشاهدة أفلام الكارتون بما لا يزيد عن ساعة في اليوم. إضافة إلى توضيح أسباب عدم تأثر الشخصيات الكارتونية بالصدمات، وشرح التأثير الفعلي لتلك الحوادث، وأنّ ذلك ينطبق فعلياً على تلك الشخصيات. والتقيد بالحد الأدنى للعمر الخاص بمشاهدة بعض أفلام الكارتون، فضلاً على التحكم بالمحتوى المراد عرضه قبل السماح للطفل بمشاهدته واختيار المفيد له".
غيابُ القيمة الجمالية والأخلاقية
وفي الصدد ذاته، يقول عمر طلال حسن (أستاذ التربية الفنية، ورسام كوميكس): "ما نراه اليوم في رسوم قصص الأطفال ورسوم الكارتون ليس صدفة، فهو أمر متعمد من الجهات المسؤولة عن هذا الاختصاص. ويتلخص بأمرين، الأول: لكي يتقبل المشاهد أي شكل وأي موضوع حتى يفقد القيمة الجمالية والأخلاقية للعمل. والثاني: إن هذا النوع من الأعمال أقل كلفة مادية من الأعمال التي تصنع صورة مثالية. فحين تقارن بين شخصية لكارتون مثل (سبونج بوب) هي صورة سهلة للرسام والمتلقي على اختلاف ثقافتهما، فتجد هذه الشخصية موجودة في كل مكان كدعاية على الملابس والحقائب والألعاب والأحذية، ولا تجد هذا الحال في كارتون (المهر الأحدب)، أو (بحيرة البجع)، أو كلاسيكيات والت دزني؛ لأنها موجهة لمجموعة وفترة معينتين. أما الجيل الحالي فأغلبه لا يتقبلها كأشكال ويعدها شخصيات خرجت عن الخدمة. وحتى كبرى الشركات لا تستطيع أن تنافس تلك الفترة فقصصها خالدة إلى الآن وستبقى كذلك".
متطلبات السوق
ويضيف: "أما الآن فأصبحت حلقات الكارتون بالعشرات وعلى أجزاء، لكنها لا تبقى في الذاكرة وهذا ما يتطلبه السوق أو الجانب الربحي وهذا انعكس أيضاً على مجلات الأطفال، فحالياً في العراق والوطن العربي، تجد أن مجلات الأطفال لا تتجاوز عدد أصابع اليد والذي يذكرها فقط الجيل السابق، كما أن هذه الأفلام بدأت توثر حتى في اهتمامات الأطفال، فنادراً ما تسمع أن طفلاً أو أباً يذكر أن ابنه مهتم في الرسم وإذا وجدت طفلاً مهتماً بهذا الجانب، فإنه يرسم هذه الأشكال القبيحة لأنه يتصور أنها الصورة المثالية. وعلاوة على ذلك بدأت هذه الأفلام تنقل صوراً للبطل على أنه شخص مشاغب، لا يحترم كبيراً ولا صغيراً، ويستخدم عبارات غير لائقة لمرحلة عمره، بل وأضافوا لها مشاهد غير أخلاقية وهذه موجودة بكثرة في الأعمال اليابانية".
أعمالٌ خالدة
ويكمل: "وعلى العكس من هذا، ففي الزمن السابق، طال النقد كارتون (توم وجيري) من ذوي الاختصاص بسبب اعتماده على المقالب فقط، والتي تدور بين الفأر والقط. ولكنه يبقى من الروائع الخالدة. ففي حفل توزيع جوائز الأوسكار حينما ذُكِرَ اسم مخترع ورسام هذه الشخصية وقف جميع من في القاعة وبدؤوا يصفقون لهذا المبدع الذي ترك هذا الأثر الكبير. وعليه لا وجود للمقارنة بين تلك الأعمال والأفلام التي تصدر حديثاً. ومع هذا لا أستطيع أن أغفل عن بعض الروائع لشركة دزني، ولكنها تبقى موجهة لفئة معينة. ولعل السؤال اليوم ما هي الصورة المثالية التي يجب أن ينقلها الرسامون العرب في المجلات والكارتون العربي، ليكون لهم أبطال يبقون في الذاكرة، كما كان سابقاً مع كارتون (السندباد) ومغامراته الجميلة و(الأميرة والنهر) و(قصص الشعوب)".
تأثيرات نفسية وسلوكية
يعدها جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال، ووسيلة ترفيهية وتعليمية وتربوية في آن واحد. ويسجل مخاوفه الشديدة بشأن التأثيرات السلبية المحتملة لهم، خاصةً إذا ما تم استهلاكها بكميات كبيرة، أو إذا تضمنت محتويات غير مناسبة. ويقول زيد شكر (مخرج رسوم متحركة): "تعددت الدراسات التي أشارت إلى أن بعض أفلام الكارتون تحتوي على مشاهد عنف أو سلوكيات غير أخلاقية، ما يؤثر في الأطفال نفسياً، وقد يتعرضون لخطر تقليد هذه السلوكيات أو اعتبارها طبيعية ومقبولة في الحياة اليومية.
وهم أكثر عرضة لإظهار سلوكيات عدوانية، وذلك باحتمالية تقليد الشخصيات الكارتونية في التعامل مع النزاعات بالعنف بدلا من الحلول السلمية".
صورٌ نمطيَّة
ويضيف: "أن بعض أفلام الكارتون تروج لصورة نمطية معينة للشخصيات بناءً على الجنس أو العرق، مما قد يؤثر في تطور شخصية الطفل وتشكيل تصوراته عن الذات والآخرين. وقد يتبنون تلك الصور النمطية في حياتهم الواقعية، ما يعزز التمييز الاجتماعي. فالإفراط في مشاهدة أفلام الكارتون قد يؤدي إلى تقليل التفاعل الاجتماعي للأطفال، إضافة إلى عدم انخراطهم في الأنشطة الاجتماعية والتفاعلات البشرية المباشرة. وهذا يمكن أن يؤثر في قدرتهم على تطوير مهارات التواصل والعمل الجماعي، ويؤثر سلباً في تحصيلهم الدراسي".
دعاية وتسويق
ويختم شكر حديثه، قائلاً: "إن العديد من أفلام الكارتون تحتوي على رسائل تجارية وإعلانات تسويقية موجهة للأطفال، ما يولد لديهم الرغبة في شراء منتجات معينة؛ ويؤدي ذلك إلى تطور القيم المادية لديهم ويعزز عنصر النزعة الاستهلاكية. ولتقليل تأثيراتها السلبية، يجب على الآباء مراقبة المحتوى واختياره بعناية ودقة،
والتأكد من أنها تتناسب مع أعمارهم، وعدم احتوائها على مشاهد عنف أو رسائل غير أخلاقية، كما ويجب تحديد وقت للمشاهدة، والتشجيع على الانخراط في الأنشطة البديلة مثل القراءة أو اللعب في
الخارج، فضلاً عن ضرورة التحدث مع الأطفال عن الأفلام التي يشاهدونها، وشرح الفرق لهم بين العالم
الحقيقي والخيالي، من أجل تعزيز قدرتهم على التفكير النقدي لهذه الأفلام، لغرض توفير بيئة مشاهدة آمنة وسليمة".