هل للمجلاتِ الأكاديميَّةِ مُستقبل

ثقافة 2024/10/09
...




جابي وينر


ترجمة: د. فارس عزيز المدرس






تشير مجلةُ Education Policy Archives Analysis المتاحةُ على الإنترنت إلى سببِ الأزمةِ التي يعيشها النشرُ العلمي؛ إذ أصبح مستقبلُ المجلاتِ الورقية موضعَ شكٍّ؛ بسببِ ظهور المجلاتِ الإلكترونية؛ التي بلغ عددها 1465 عام 1997؛ لكنها باتت عُرضةً للتهديدِ من لدن قِوى أخرى؛ نتيجة للثقافات التي تتبنَّى مبدأ “النشر أو الهلاك”، والاستخدام المتزايد للمجلات الأكاديمية كوسيلة لتقييم جودةِ المنح الدراسية. 

إنَّ التحدِّي الذي يواجه الطباعة يحمل إشاراتٍ إلى أنَّ هيمنة المجلات الورقية ربما تكون قد اقتربت مِن نهايتها، وعلى الرغم مِن أنَّ بعضَ الأكاديميين وأمناءَ المكتباتِ راحوا ينتقدون نظامَ النشر الأكاديمي الحديث؛ فآخرون لا يظهِرون سوى القليلِ مِن عدمِ الرضا، فهم مهتمّون بتعزيز علاقاتِهم مع الناشرين، فأصبح مُنتجو المعرفةِ هم مستهلِكوها الأساسيون. 


 أصول المجلة الأكاديمية: العناصر التقليدية

 هناك خلافٌ بشأن أصولِ المقالة الأكاديميةِ اعتماداً على التخصُّصِ؛ إذ ظهرت أولُ مجلَّتين علميتين عام 1655 في كلٍّ من فرنسا وبريطانيا، ثم طوَّر علماءُ القرنِ السابع عشر مجموعةً مِن الاستراتيجيات، وفي وقتٍ لاحق أدَّى فهم الطبيعةِ المعقدة للظاهرة إلى اتباع نهجٍ أكثر اتساقاً. والمجلات العلمية اليوم مصمَّمةٌ على غرارِ تلك التي تطوَّرت في ألمانيا في القرن التاسع عشر؛ لإضفاءِ التماسكِ على التخصُّص، وجعلها وسيلةً لتوصيل المعرفة بين العلماء ذوي التفكير المماثل. 

 المجلاتُ الأكاديمية اليوم

 على الرغم مِن الأصولِ البعيدةِ للنشر الأكاديمي فقد توسَّع وتنوع واحتضن عدداً كبيراً من الأشكال: مثل كتبٍ كتبها مؤلفٌ واحدٌ أو أكثر، ومقالاتٍ حرَّرها أكاديميٌّ واحد أو يزيد؛ أو رسائل الدراسات العليا. ومع ذلك تتميَّز المجلةُ الأكاديميةُ بأنَّ مقرَّها في الجامعة؛ وتشمل محررين أكاديميين؛ ومحكِّمين يُطلب منهم تقديمُ التوصياتِ بشأنِ ما إذا كانت المخطوطاتُ المقدمة تستحق النشرَ أمْ لا.

 تُستخدم المجلاتُ الأكاديمية بثلاث طرُق رئيسة: أولاً: إنتاج المعرفة الأكاديمية ونشرها، وثانياً: تصنيف الأبحاثِ العلمية لتحديد توزيع أموال البحث؛ وثالثاً: إبلاغ القرارات المتعلقة بالتعيين والترقية. وقد أدى العاملان الثاني والثالث، إلى جعلِ الإجراءات التي تستخدمها المجلاتُ أكثرَ أهمية للكتَّاب والأكاديميين. ولفهم كيفيةِ عملِ المجلات الأكاديمية مِن المهم أن نفهمَ أنها تحتوي على مجموعةٍ من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية التي تنطوي على رزمةٍ معقدةٍ مِن الأدوار والأشخاص. وإحدى الطرُقِ المفيدة لفهم الكتابةِ الأكاديمية هي أن ننظر إليها بوصفها لعبةً؛ لابد مِن فهم قواعدها؛ قبل أن يتمكّن الأفرادُ مِن الانخراط فيها. 

الاقتصاد في المجلات

كانت المجلاتُ الأكاديميةُ التقليدية مربحةً للناشرين؛ لأنَّ النُسخَ تُنتجُ باستمرار، في حين يقدِّم الأكاديميون عملَهم مجاناً بوصفهم مراجعين ومحررين وأعضاء مجالس تحرير. والمفارقةُ هي أنَّ المؤسسات الأكاديمية تنفق الأموالَ الأولية لدعم البحث الذي يوفر المواد الخام للمقالات. ومن ناحية أخرى تُجبَر الجامعاتُ والكليات والأكاديميون على دفع مبالغَ مقابلَ نشر وتوزيع البحث. ومع ذلك لا يُحاسَبُ المنتجون على فشل السوق، ولا يستفيدون مِن نجاحها، ودورهُم الحفاظُ على النسق الساري؛ وتوفير الخدماتِ التحريرية الأكاديمية.

كانت المجلاتُ الأكاديمية مملوكة للذين كتبوا لها وقرأوها، وكانت تنشرها دورُ نشرٍ جامعية. وظلت هذه الحال حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما توسع قطاعُ الجامعات وارتفع مستوى المنشورات؛ بسبب تزايد الأكاديميين. ودخل الناشرون التجاريون المشهدَ؛ لمعالجة الاختناق المتمثِّل في الأوراق التي تنتظر النشر. وبعد تداركهم الاختناق بدأوا في استيعابِ حصة متزايدة مِن السوق، بدعم مِن مؤسسات التعليم العالي، وأدَّى تسليم وظائف الإنتاج والتوزيع للقطاع التجاري إلى زيادةٍ في القدرة: فتوسَّعت المجلاتُ، وجرى تشكيل مجلاتٍ جديدة؛ لاستيعاب كمية متزايدة من الأبحاث.

في البداية بدا أنَّ هذه الترتيبات تعمل بشكلٍ جيدٍ؛ إذ قدَّمت فوائدَ للمعنيين، وتمكَّن الأكاديميون مِن نشر أعمالِهم، وتولَّى الناشرون مسؤوليةَ توزيع المجلات، وبدا أنَّ هوامشَ الربح متوازنة مع تكلفةِ المجلات؛ لكن المشكلات بدأت بالظهور لتعارض متطلباتِ السوق مع البيئة الأكاديمية؛ إذ طالب الناشرون المؤلفينَ بالتنازل عن حقوق النشر، وصاروا أحراراً في بيع المعرفةِ الأكاديمية. وكان الأكاديميون بطيئين في إدراك ما يحدث، واستمرارهم في النشر يعني أنهم راضون عن استغلالهم، وليس بمستغرَب أن تتضاعفَ تكلفة نشر المعلوماتِ الأكاديمية ثلاث مرات في عقْدٍ واحد؛ فارتفعت “تكلفةُ المجلات العلمية بنسبة بلغت 148 % في الولايات المتحدة بين عامي 1986 و1996” ، وقد أثيرت مخاوفُ بشأن ما إذا كان إنشاءُ المزيدِ مِن منافذ المعرفة- من خلال مجلات جديدة- يشكِّل حلاً حقيقياً. 

ويفيد الناشرون بأنَّ الأكاديميين لم يزيدوا اشتراكاتِهم الشخصية؛ بل اعتمدوا على المكتبة، ويقولون أيضاً: إنَّ العلماء يشترون نسخاً أقل مِن الكتب العلمية، مما تسبَّب في تقليصِ عددِ الطبعاتِ؛ في ظلِّ الوضع الاقتصادي الهشِّ للكتبِ العلمية. وكان لدى أمناء المكتبات صورة للأزمة التي تلوح في الأفق؛ وذلك بسبب اعتماد الأكاديميين بشكلٍ أكبر على المكتبات للحصول على المجلات التي لا يستطيعون تحمُّلَ تكلفتها.

النشر الإلكتروني

أحدُ التحدياتِ المهمة للمجلات الورقية التقليدية النشرُ الإلكتروني، فضلاً عن “استخدام أجهزة الكمبيوتر المتصلة بالشبكة”، فنشأت الثورةُ الإلكترونية بسبب تغيرين تكنولوجيين:

أولاً: تطور الكمبيوتر؛ الذي أصبح رخيصاً وقوياً، وثانياً: لقدرتنا على تخزين كميات هائلة من البيانات. لكن المطالبات بالتغيير لم تأتِ من ضرورات التكنولوجيا فحسب، بل من دمج المجلاتِ الإلكترونية في أنظمة النشر الأكاديمي الحالية، وحتى استبدالها بمجلاتٍ ورقية. وعلى سبيل المثال يُنظر إلى بعض المشكلات في إنتاج المجلات الورقية على أنها قابلةٌ للحلِّ؛ من خلال النسخ الإلكترونية، ويخلق النشرُ الإلكتروني مرونةً في علاقة الكاتب بالقارئ؛ مع فرص للتفاعلية، وأساليب لعرض البيانات، وقيود أقلّ على طول الكلمة والشكل، فضلاً عن أنَّ المجلاتِ التعليمية عِبر الإنترنت تعمل على توسيع نطاقِ القراء.

لا يشير مصطلح الأرشفة إلى تخزين المواد فحسبُ؛ بل أيضاً إلى التنظيم المنهجي والتوفير الشامل للوصول إلى هذه المواد، وفي حالةِ المنشورات الإلكترونية، كانت إحدى المشكلاتِ التي يجب معالجتها في توفير الوصول التنوع في التنسيقات المستخدمة. ومن بين أكثر التحديات سياسةُ التحكُّم في الاتصالات العلمية، والفوائد الاقتصادية للناشرين، وقضايا حقوق النشر، والافتقار إلى المهاراتِ اللازمة للكتابة على الإنترنت، ورهاب التكنولوجيا بين العلماء، ومقاومة تغيير التقاليد القديمة للنشر العلمي. ومع ذلك فقد حفَّز النشرُ الإلكتروني نقاشاً واسعاً حول الأشكال التقليدية للنشر في المجلات، وما إذا كانت المجلاتُ الورقيةُ الوسيلةَ الأكثرَ فاعلية لنشر البحوثِ أم لا. 

 مراجعةُ الأقران

 يقع استخدامُ مراجعةِ الأقران في صميم المجلات الأكاديمية، وتعتمد كلُّ مجلةٍ على مدخلاتِ لجنةٍ مِن أكاديميين قدَّموا إسهاماً علمياً في المجال ذاته، وبالتالي يُفترض أنهم قادرون على الحُكم على جودة أوراق الزملاء. وعلى الرغم مِن أنَّ هذا النظام عادلٌ وغير هرمي ظاهرياً؛ إلا أنه محفوفٌ بالتوترات وبالتعسف أحياناً.

وبسبب القصور في بعض أنظمتها فقد تعرَّضت مراجعةُ الأقران لانتقادات واسعة؛ نظراً لكونها وسيلة يحكم بها الأكاديميون الأقوياء قبضتَهم على مَن يقدمون بحوثهم. ولأنَّ الأقرانَ (المعروفين أيضاً باسم المحكِّمين) يتمُّ تجنيدهم مِن خلال اتصالات مهنية فقد جرى إدانةُ النظام؛ بوصفه شبكة غيرَ عادلةِ. وإذا كان هناك دليلٌ لدعم الرأي القائل: إنَّ مراجعة الأقران تختلف داخل كل تخصص؛ فهناك دليلٌ على أنه يمكن العثور على اختلافات بين التخصصات، ففي بعض التخصصات تكون علامة التميُّز هي معدلُ الرفض، والذي يمكن أن يصل إلى 90 %؛ في تخصصات أخرى، وهذا لا يعني بالضرورة أنَّ المجلةَ ذاتَ جودةٍ أقل. 

 تقييمُ الإنتاجيةِ والاستشهادُ

تطوَّر العديدُ من الأساليب لتقييم جودةِ إنتاجية الأكاديميين، ومع ذلك غالباً ما تكون هذه الأساليب معقدةً وسطحية. وتشير إلى كميةِ المنشورات المنسوبة إلى باحث معين، معبَّراً عنها بإجمالي مدى الحياة، أو بمعدل سنوي؛ عند تقسيمها على العمر المهني. والتأثير يعني مدى تكرار استشهاد مؤلفين آخرين بعمل شخص ما. ونادراً ما يجري تقييم الجودةِ بشكلٍ مباشر؛ فالإنتاجيةُ ومعامل التأثير غالباً ما يحلان محلها. ومع ذلك؛ في المناخ التنافسي الأكاديمي في مطلع القرن الحادي والعشرين كان مجردُ النجاحِ في نشر عملٍ ما لا يعدُّ كافياً للمنح الدراسية، وأحياناً تُرجّح جميعُ المنشورات بالتساوي، ولكن كيف يتمُّ اعتماد المؤلفين المشاركين؟.

 يفترض البعضُ إسهاماً متساوياً مِن كل مؤلف؛ بينما يستخدم آخرون نظامَ ترجيحٍ يعتمد على ترتيب التأليف. وهناك مسألةُ كيفية مقارنة العمل الفردي والمؤلفين المشتَركين، فبعض المجلات “تحتسب” القيمة المدرجة في فهرس الاستشهادات. ويعتمد استخدام الاستشهادات على افتراض أنَّ جودةَ المقالةِ العلمية يمكن قياسُها بعددِ مراتِ الاستشهاد بها في بحوث أخرى، وبالتالي فإنَّ الطريقة المستخدمة بشكلٍ شائع هي الحكم على ما إذا كانت المجلة أو الباحث أحدثَ تأثيراً كبيراً في مجال يتمثّل بعددِ المرات التي جرى الاستشهاد بها؛ من لدن باحثين آخرين. وقد تطور هذا إلى تقنية على أساس سنوي، ووفقاً لعامل التأثير.

من المفترض أنه كلما زاد عدد الاستشهادات الأكاديمية زاد تقديرُ الأقران، ويتضمَّن استخدام الاستشهادات إحصاءَ عدد الاستشهادات على مدى مدَّة محددة في المجلات التي تغطيها واحدة أو أكثر مِن مؤشرات الاستشهاد المعمول بها؛ مما يثير عدداً مِن المشكلات الأخرى. منها:

 أولاً: أنَّ عدداً كبيراً من المجلات- بما في ذلك أحدثها وأكثرها ابتكاراً- غائبةٌ عن مؤشرات الاستشهاد القياسية. ثانياً: لا تستطيع مؤشرات الاستشهاد التمييز بين الاستشهاداتِ الإيجابية والموافقة، والاستشهادات النقدية والرافضة. ثالثا: قد يُنظر إلى الاستشهاداتِ على أنها تعكس الوضع الراهن فحسب، بسببِ تواتر الاستشهاد.

أيا كان مؤشر الجودة المستخدم في النشر؛ فإنَّ العامل الرئيس لكلِّ مؤسسة في المناخ التنافسي هو قياس مدى أداء باحثيها؛ مقارنةً بالآخرين. وأكثر مقاييس النتائج وضوحاً في ما يتصِل بأداء البحث في الأقسام هي إحصاءاتُ النشر البسيطة، ومقاييس النشر المصممة لوضع الجودة في الاعتبار. وعندما تُستخدم مؤشرات الأداء هذه تنشأُ أزمةٌ ليس في ما يتصِل بالاختيار؛ بل في ما يتصل بالعدالة.

 المساواة والوصول إلى المعلومات

في الاجتماع السنوي للجمعيةِ الأميركية للبحوث التربوية عام 1996، لاحظتْ لجنةُ النشر أنَّ بعضَ أوجه عدمِ المساواة الخاصة بالحصول على النشر تقع خارج سيطرتها، وكان التمثيلُ المثالي للمؤلفين والمحتوى مِن المستحيل تحقيقُه، على الرغم من الاستراتيجيات الرامية إلى زيادة تنوع المؤلفين، لذا وجَّه طلابُ الدراساتِ العليا انتقاداً لممارسات النشر هذه، لاسيما ما يُنظر إليه على أنه افتقارٌ إلى الانفتاح في تعيين محرري المجلات، وسيطرة القِوى البيضاء/ الذكورية.

وعلى هذا نستطيع رؤيةَ أنَّ خطاباتِ التميز والقدرة التنافسية التي غمرت المجلات الأكاديمية لم توفر أرضيةً مثمرة لمناقشة قضايا العدالة الاجتماعية أو المساواة، ومع ذلك فالتطوراتُ التي طرأت على سياسات المساواة في مجالات أخرى مِن الأوساط الأكاديمية أصبحت موضوعاً ذا أهمية كبيرة. وتُثار تساؤلاتٌ حول ما إذا كان هناك دليلٌ على التمييز على أساس الجنس أو العنصرية، أو غير ذلك مِن الممارسات غير العادلة في النشر الأكاديمي، وما إذا كانت أشكال النشر الجديدة من المرجح أن تعزز التغيير في أخلاقيات النشر النخبوية، وهل النشر الإلكتروني يصبُّ في مصلحة المفضَّلين، أم أنه يعزِّز المساواة في الوصول والاستخدام؟.

قد يكون الحكمُ منحرفاً بشكلٍ منهجي بسبب التقييماتِ الأقلّ دقة، أو بسبب الشكوك في الكفاءة لانتقاد [عالِم] عظيم، أو بسبب الخوف مِن إهانة أشخاص مؤثرين في هذا المجال. وقد أفادت دراساتُ النوعِ الاجتماعي في النشر الأكاديمي مِن عدد مِن النتائج: وهي أنَّ قضايا المرأة نادراً ما تشكل موضوع المجلات، على الرغم من وجود زيادةٍ طفيفة في السنوات الأخيرة؛ فالمؤلفون الذكور يتمتعون بملفات تعريف أعلى، وإنتاجية أوسع، ويتم الاستشهاد بهم أكثر. ولقد اجتذبت أنماط اجتماعية أخرى للتأليف، مثل الأصل العرقي أو اللون، قدراً أقلَّ من الاهتمام، على الرغم مِن وجود بعضِ الأدلة التي تشير إلى أنَّ الكتَّابَ من الأقليات والسود لا يحظون بالقدر نفسه من التمثيل كمؤلفين. 

 مكافحة الممارساتِ غير السليمة

وهناك قضيةٌ أخرى في المجلاتِ الأكاديمية؛ برزت لأسبابٍ مختلفة؛ وهي الاعتبارات الأخلاقية في ما يتصل بحقوق الملكية الفكرية، وقيل إنَّ الضغوطَ التي مُورست على الأكاديميين- لحملهم على نشر أعمالهم، وربط التعيين الدائم والترقية الأكاديمية بالنشر- أدَّت إلى مجموعة من الانتهاكات للنظام، وعلى سبيل المثال يزعم الباحثون زوراً أنَّهم توصلوا إلى اكتشافٍ جديد أو فبركوا نتائج بحثية. 

إنَّ الارتقـــــــــــــــــــــاء الوظيفــــــــــــــــي (الترقيــــــة، والتعيين الدائم، والتقدير) يسهل من خلال وضع اسم الشخص على العديد من المنشورات، لاسيما إذا ظهر كمؤلف منفرد أو باسم المؤلف الأول، وفي بعض الأحيان يؤدي هذا إلى وضعِ اسم الشخص على مَقال حتى لو لم يُكتبْ أي منه... وهناك نمط آخر أكثرُ غدراً يتمثَّل في إصرار الأستاذ الرئيس على أن يدرج طلابُ الدراسات العليا اسمه على أيِّ منشورات مستمَدة من أطروحات تحت إشرافه. إنَّ مثل هذه الحوادث تمثل انتهاك المعايير الأخلاقية التي تمثل روحَ العلم. 

وبخصوص حقوق ملكية الأفكار والمفاهيم والنظريات في المقالات والتقارير البحثية، فإنَّ المخاوف الأخيرة في المملكة المتحدة نابعةٌ من كيفية مقاومة الضغوط على محرري المجلات من ممثلي الحكومة الذين يريدون “سحب” الأوراق التي تنتقد سياسة الحكومة، في الوقت الذي يُحَث فيه العديد من الأكاديميين على السعي للحصول على تمويل للأبحاث من مجموعة متنوعة من المصادر، ولهذا فإنَّ مجتمع البحث العلمي محاصرٌ بين المطرقة والسندان؛ ويحتاج إلى البقاء “وفياً” للمعايير المهنية مع تجنُّب النظر إليه بوصفه منتقداً للحكومات أو السياسات.

إنَّ أحدَ حلولِ هذه المعضلةِ عدمُ التوقيع على مثل هذه العقود، وقد تكون هناك أسبابٌ وجيهة تجعل الباحثين لا يملكون خياراً يُذكر؛ لأنَّ العمل سيُوفر للباحثين المؤقتين، أو لأنَّ الجامعة تطالبهم بالحصول على تمويل خارجي للأبحاث، لذلك جرى تطوير استراتيجيةٍ للتعامل مع هذه المواقف، من خلال تطوير مدونة أخلاقية يتبنَّاها الشركاءُ في مؤسسةٍ بحثية تسمح بالتفاوض على حدود ممارسة البحث. ويمكن أن تتضمنَ الشروط الأخلاقية المتعلقة بالكتابة الأكاديمية التي نشرتها جمعية البحوث التربوية البريطانية (BERA) أساساً للضبطِ الأخلاقي؛ ومنها:

- ينبغي أن يهدفَ الباحثون إلى تجنُّب اختلاقِ أو تزوير أو تحريف الأدلـــــــــــــــــــة والبيانات والنتائج والاستنتاجات.

- يجب أن يهدفَ الباحثون إلى الإبلاغ عن نتائجهم لجميع أصحاب المصلحة المعنيين، وعدم إخفاء نتائجهم أو عرقلة توصيلها.

- ينبغي للباحثين التربويين توصيل نتائجهم بلغةٍ واضحة ومباشرة ومناسبة لسكان البحث المعنيين وممثلي المؤسسات وأصحاب المصلحة الآخرين. 

- يجب أن يظلَّ الباحثون التربويون أحراراً في تفسير ونشر نتائجهم؛ دون رقابةٍ أو موافقة من الأفراد أو المنظمات.

 هل للمجلات الأكاديمية مستقبل؟

 السؤالُ الرئيس الذي أثير آنفاً كيف يمكن أن تصبحَ الثقافات الأكاديمية وممارسات النشر أكثر إنصافاً، وتشير معرفة حالة النشر الأكاديمي الحالية كمؤشر للأداء، وكموقع للصراع على السلطة والمعرفة؛ إلا أنَّ نشر ورقة في مجلة أكاديمية ليس بالأمر المباشر حول “المنح الدراسية الجيدة” كما قد يبدو للوهلة الأولى؛ فتأثيرُ التكنولوجيا والممارسات الأدبية والسلطة في المعرفة الأكاديمية لـ “الخبراء” ذوي التفكير المماثل، كلُّها مهمة؛ لفهم كيفية عمل المجلات الأكاديمية. 

كيف يمكن فهم المجلات الأكاديمية الحالية مِن لدن الذين يهدفون إلى زيادة عدد منشوراتهم أو الباحثين المبتدئين أو المجتمع الأوسع الذي يأمل في الاستفادة مِن استثماره في البحث؟ هل هذا هو النظام الذي نريده أو نحتاجه؟ هل يوفر النشرُ الإلكتروني إمكانياتٍ أكبر أو أقل لتوسيع الوصول الأكاديمي للمجموعات المستبعدة؟.

 بعضُ البلدان كالسويد لم تستسلم لأخلاقيات “النشر أو الهـــــــــــــــــــــلاك” للأكاديمية المعمول بها في الولايات المتحدة، ومع ذلك فإنَّ التمييز على أساسِ الجنس في ممارسات التحكيم التي كشفت عنها دراسة حديثة لتخصيص تمويل مجلس البحث في السويد تشير إلى أنه حتى في البيئات الأكثر وعياً بالمساواة فإنَّ الأكاديميين، بوعي أو بغير وعي يميَّزون في ما يُعدُّ “تميزاً” و”منحة دراسية”، إذن فما هي البدائلُ للأنظمة الحالية لتقييم ومراجعة البحث؟. وباختصار يبدو هناك ثلاثة سيناريوهات للمستقبل:

1. الركود: إبقاء النظام على حاله، والدفاع عن ثقافات التميز، والسعي إلى فرض ممارسات النشر التقليدية على المجلات التي تعتمد على شبكة الإنترنت، ومقاومة التغيير.

2. إلغاءُ القيود التنظيمية: أيْ الحدُّ من ضوابط النشر، وإعطاء الأولوية للوصول إلى التكنولوجيا، وإلغاء المجلات الورقية، وإيجاد وسائل أخرى لتقييم البحوث.

3. الإصلاح: بدمج النظامين المزدوجين للمجلات الورقية والإلكترونية، والحفاظ على مراجعة الأقران وضمان الجودة، وتبادل المعرفة الأكاديمية؛ عبر مجموعة متنوعة من وسائل الاتصال.

إنَّ أغلبَ الأكاديميين عالقون في سيناريو الدولة، ويخشون إلغاءَ القيودِ التنظيمية، وهم غيرُ قادرين على الإصلاح؛ مع أنَّ الإصلاحَ يبدو خِياراً واعداً، لكنه يتطلَّب الاهتمام والالتزام. وسيحتاج المحرِّرون والمحكِّمون إلى التفكير في عدالةِ سياستهم. وسيحتاج القائمون على إدارة الجامعات إلى تطوير أساليب أكثر دقةً وإنصافاً للحكم على جودة الأبحاث. وربما يعمل الناشرون وأمناء المكتبات بشكل أوثق؛ لمعرفة ما إذا كان مِن الممكن تطوير نظام يخدم مصالح الجامعة والسوق معاً. وسيحتاج محررو المجلاتِ التي تعمل على الإنترنت إلى تطوير ممارسات تشجع الوصول الحقيقي والانفتاح، بدلاً من تفضيل هيمنة “المهووسين” الأكاديميين المتميزين؛ كما كانت الحال في الماضي.