التنمية العراقيَّة في زمن اقتصاد المعرفة الى أين؟

آراء 2019/06/24
...

د.عبد الواحد مشعل
 

مع دخول العالم الألفية الثالثة حتى أضحى اقتصاد المعرفة يمثلُ حقيقة علميَّة تتوغل أعمق في فهم أهمية المعرفة، ودورها في بناء تنمية بشرية خلاقة تعتمدُ على المعرفة الإنسانيَّة صانعة المنجزات
، وفي خضم التطورات الهائلة التي يشهدها عالم اليوم في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة، تبرز أهمية إعمار العراق الذي يحتاجُ إلى جهودٍ كبيرة وحثيثة من أجل النهوض به، والشروع بتنمية قوامُها المعرفة العلميَّة التي يحملها الإنسان وبها يطوع التكنولوجيا ويستحدثها في نهضة المجتمع الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وفي هذا السياق تبرزُ أهمية تكنولوجيا المعلومات كحقيقة علميَّة باتت تطرحُ نفسها على الساحة العالميَّة، لا سيما مع تصاعد وتيرة التحولات الاقتصاديَّة والثقافيَّة في عالم يتجه نحو اقتصاد السوق، والتي أثرت بشكل كبير في تغير المنظومة القيميَّة في كثيرٍ من المجتمعات التقليديَّة ووضعها على طريق الحداثة من اجل إنعاش اقتصادها، سواء في مجال الصناعات المحلية أو في مجال فتح الاستثمار على نطاق واسع في بلدانها، وهو ما انعكس تطوراً على نمط الحياة المعيشيَّة والثقافيَّة
، الأمر الذي بدا واضحاً من خلال تشجيع الأهالي على تنمية حياتهم الخاصة وإبراز دور المهارات الفرديَّة في دعم الاقتصاد الوطني، وبالتالي انعكاس ذلك على تنمية المجتمع بكامله والذي يقوم أساساً على تبني الأفكار الجديدة، لا سيما في مجال التدريب على تكنولوجيا المعلومات، وبهذا يستلزم على مخططي التنمية في العراق النظر الى هذه النقطة الجوهريَّة باهتمامٍ كبيرٍ من أجل فهم أهمية التدريب على تكنولوجيا المعلومات في معالجة مشكلات مجتمعٍ مأزومٍ يريد أنْ يسلك طريق النهضة ونفض كل مظاهر الارتباك عنه، ليكون السؤال المهم في هذا الجانب: التنمية في العراق الى أين في ظل اهتمام المجتمعات الحديثة باقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات؟ ما يجعل ضرورة ذلك تزداد يوماً بعد آخر، إذ لا يمكن إجراء تنمية حقيقيَّة تُسعدُ الإنسان وتُنقذه من واقعه المأزوم إلا بتبني لغة التنمية الحديثة القائمة على المعرفة والتكنولوجيا، وبصفة العراق من المجتمعات النامية تبرز أهمية هذا الطرح بوصفها من المحاولات الجديدة التي تحاول إبراز أهمية تكنولوجيا المعلومات في إجراء تنمية متزنة، فهل الحكومة قادرة على الانضمام الى مجموعة الدول التي اعتمدت على تنمية الإنسان وقدراته في ذلك؟ أم أنَّ ذلك يتطلب زمناً في ظروف سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة صعبة؟ 
أم أنَّ ذلك يعدُّ دافعاً قوياً لتبني الأساليب الحديثة في نهضة المجتمع؟، ولعلَّ أبرز القنوات التي يمكن أنْ تفتح المجال واسعاً للحداثة، هو الاعتماد على التعليم الناجح والتدريب والتأهيل اللازمين لجيلنا الحاضر من خلال الاهتمام بالتربية والتعليم، لا سيما التعليم الفني والتقني وفق حاجة المجتمع في فتح وتأهيل المعاهد التقنية والإدارية لتخريج عاملين فاعلين في مجال الإنتاج والإدارة، وهذا في حد ذاته يعبر عن طبيعة العلاقة المتكاملة بين الإنسان والأجهزة التقنية بصفتها وسيلة فاعلة لحل مشكلاته المعقدة، وبهذا فإنَّ أهمية التدريب عليها تعدُّ خطوة مهمة في إنجاح خطط الإعمار والتنمية في العراق بوصفها عاملاً مؤثراً في عملية التحول الاجتماعي والاقتصادي في البلد وحل مشكلاته العالقة بطريقة علمية 
سريعة.
لا بدَّ من مواكبة العالم
تعدُّ معرفة الاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات من أهم سمات الألفية الثالثة، لما تنطوي عليه من أهمية كبيرة في حركة التغيير الاجتماعي والثقافي في المجتمع الإنساني بأسره، لا سيما مع تعاظم العولمة وتحول كثير من المجتمعات إلى اقتصاد السوق
، والمجتمع العراقي كأحد المجتمعات التي تتجه إلى اقتصاد السوق الأمر الذي يتطلب بناء معرفة اقتصادية واتخاذ إجراءات مناسبة لتدريب أبناء المجتمع على تكنولوجيا المعلومات، والتي دخلت في كل معاملات حياة الإنسان 
المعاصر. 
وعليه ينبغي على صانع القرار في البلاد الانتباه الى أنَّ المعرفة الاقتصادية باتت أمراً ضرورياً وملحاً في المرحلة الحالية، من أجل إعمار العراق 
وتنميته.
كما ينبغي على مراكز الأبحاث والجامعات القيام بالدراسات اللازمة في هذا المجال بطريقة تسمح بتدريب العناصر الفنيَّة الوسطيَّة على تكنولوجيا المعلومات
، وبما يسمح بتأسيس وتأهيل المراكز المختصة لتدريب العاملين العراقيين على أحدث البرامج في مجال اقتصاد وتكنولوجيا المعلومات وبما يؤهلهم لأداء أدوارهم في حلقات أو مراحل تنفيذ الخطة التنمويَّة المختلفة
، فضلاً عن ذلك تظهر الحاجة الملحة لتوعية العاملين وأبناء المجتمع على أهمية الآليات الجديدة المستخدمة في التنمية البشريَّة الحديثة
، إذ لا يزال كثيرٌ من مفاصل هذا التوجه لدى كثير من الناس غير واضحٍ ويحتاج الى الوعي المجتمعي وتزداد أهمية ذلك مع كون مشاركة الأهالي في أي تنمية شرطاً أساسياً وخطوةً مهمة وأساسيَّة في إنجاح التنمية
، لا سيما أنَّ الاندفاع نحو التدريب على تكنولوجيا المعلومات ما زال دون المستوى المطلوب نظراً لسيادة الأساليب التقليديَّة في النشاطات الاقتصاديَّة المختلفة ما يدعو الى ضرورة تشجيع مراكز الأبحاث والجامعات على دفع منتسبيها وطلابها للانخراط في برامج التدريب على تكنولوجيا المعلومات بعدِّها سمة عصريَّة
، وهو يتطلب من مؤسسات الدولة المختلفة ومنظمات المجتمع المدني تشجيع أبناء المجتمع في مواقعهم المختلفة على التدريب على تكنولوجيا المعلومات من أجل المساهمة في إعمار العراق وبناء مرتكزات تنميته بإرادة وطنيَّة قويَّة.