الشرق الأوسط إلى اين؟

آراء 2024/10/20
...

 د. عبدالواحد مشعل

من يراقب المشهد السياسي والعسكري في منطقة الشرق الاوسط، وبالتحديد بعد السابع من اكتوبر 2023، يجد بين ثناياه بنية فكرة الشرق الأوسط الجديد وسطورها، ثمة تحول خطير في الشرق الأوسط، هدفه إخضاع المنطقة بالمطلق لصالح الكيان الصهيوني والغرب وإدخال المنطقة في أتون صراعات إقليمية، لصالح هدف استراتيجي بعيد المدى، يتمثل بالصراع الامريكي - الصيني محور القضية في اصلها، وبأدوات تحاول تصفية الساحة من اي تطور يعرقل عملية الصراع، والحد من تنامي مقاومة المشروع التوسعي الإقليمي الصهيوني
في ظل عدوان لم يسبق له مثيل في انتهاك حقوق الإنسان بإبادة بشرية يسكت عنها العالم، واذا كانت القضية الفلسطينية على مدى ما يقرب من قرن، تم التقصير اتجاهها فإن ثمة تساؤلات تطرح على مستوى الأنظمة، التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية، والتي لم تتمكن من إنهاء الاحتلال الصهيوني في مهده، فإن تطورا تكنولوجيا لافتا للنظر ينمو في قلب الأمة، من دون أن يكون هناك تطور مماثل في المنطقة العربية، على الرغم من الامكانيات الاقتصادية الهائلة والقوى البشرية العريضة والعقول العلمية، اذ انشغلت تك النظم في قمع شعوبها لتثبيت حكمها الفردي، بينما ينمو الصغير الآخر بمؤسسات وصيغ وأساليب ادارية غربية متقدمة، في حين انشغل آخرون بتضخيم ثرواتهم وخوض صراع مع النظم، التي تعلن نفسها أنها مع اليسار، ولم تتمكن الدول العربية طية قرن الزمان من خوض حروب أكثر من أيام معدودات مُنِيَ العرب فيها هزائم مرعبة، على الرغم ما تم تحقيقه من انتصار ناقص في حرب اكتوبر عام 1973، والذي فتح الباب واسعا أمام تنازلات مذلة، لا تزال تدفع ثمنها المنطقة بأسرها،  فغزة وحدها خاضت صراعا وقتالا مريرا امتد إلى اكثر من سنة ولا يزال مستمرا، فهو يضع أمام العالم خريطة جديدة من التوقعات المستقبلية، تشير إلى أن هناك إنسان سيكون سيد المطاولة في حروب طويلة الامد في المستقبل، وهي تمتلك قدرات عقلية قد تنمو في المستقبل، لتنافس ما عند الآخر من امكانيات وتقنيات، فالمعرفة والتكنولوجيا لم تبقيا حكرا على أحد إذ اصبحت وستصبح متاحة بحجم أكبر أمام الجميع، على الرغم من محاولة تحجيمها لدى اطراف كثيرة، لكن منطق التاريخ يقول إن ما يمكن تحجيمه الآن سيكون مستحيلا أمام أجيال جدية بثقافة جديدة لا تقبل الانحناء أو المسايرة، لذا فإن مسألة تشكيل الشرق الاوسط الجديد، التي يروج لها الآن ستكون بحساب منطق التاريخ واهية وضعيفة، أمام تنامي اجيال جديدة عابرة للأيديولوجيات واضعة القيم الانسانية رسالة لها بمنطق لا يصح الا الصحيح.
 إن من ينظر بنظرة متفحصة للعقل السياسي العربي يجده يحمل معه كثيرا من القصور الاستراتيجي، فالإبادة تشمل الجميع، ومن ينظر إلى الأمر خلاف ذلك فهو على وهم كبير، فليس هناك طريق أو وسيلة تتحقق فيهما مقولة الشرق الأوسط الجديد، الا منطق الأجيال الجديدة، التي ستنظر إلى الأمر بطريقة مختلفة كليا عن رؤية الفكر السياسي العربي الحالي، متجاوزة كل البنى العقلية التقليدية التي تنظر بعين واحدة على المشهد بكامله.
فالذي يجري اليوم من عدوان صهيوني على فلسطين ولبنان في حساب الكثير هو ثمة تصفية وتمهيد طريق لأصل الصراع الاقتصادي العالمي المستقبلي، ويبقى السؤال الجوهري أين اهل المنطقة وشعوبها من كل ذلك؟، واذا سلمنا أو رأينا أن هناك احباطاً شعبياً تولد خلال عقود من الزمن نتيجة حروب عبثية وصراعات اثنية عبثية لا معنى لها، قد أثرت في بنية التوجه نحو القضية الاساسية وهي قضية فلسطين يجعل الموقف واضحا وشاهداً عليه، فإن هناك ثمة قصور فهم، يمكن ان يكون ثقافيا أو سياسا ازاء قضايا العلاقات الاقليمية وما تتصوره من افكار وتوجهات.