{السبط الثالث عشر}

آراء 2024/10/24
...

نرمين المفتي

أصبح واضحا، منذ عقود، وليس الآن والصهاينة أو النازيون الجدد يرتكبون حرب ابادة ضد غزة، لأكثر من سنة ويشنون حربا مدمرة ضد لبنان، مع تهديد مستمر بأن أيديهم تصل لتنتقم لكل من "يعادي السامية"، هذه الذريعة التي جعلت الغرب أن يشعر بتأنيب الضمير للوقوف دائما إلى جانبهم.. لماذا اية إشارة ضد (اليهود أو بالأحرى الصهاينة) تعتبر معاداة للسامية، ومن يحاول كشف كذب هذه الذريعة وفبركتها كان مصيره، المثال وليس الحصر لكثرة الأسماء، الاغتيال مثل آرثر كويستلر أو المحاكمة مثل روجيه غارودي؟
 والمعروف أن المهاجرين إلى فلسطين لتأسيس الكيان الصهيوني في غالبيتهم من أوربا الشرقية، أي ليسوا من أحفاد سام، بينما العرب الذين هم ساميون أصلا يُقتلون ويُبادون ولا يتم اعتبار هذه الجرائم ضدهم معاداة للسامية.
سألت الذكاء الصناعي فكان جوابه أن "معاداة السامية" تستند إلى تمييز بين أصل المصطلح وسياقه الحديث. تاريخيًا، كانت السامية تشير إلى مجموعة من الشعوب التي تتحدث اللغات السامية، مثل العرب واليهود والآشوريين وغيرهم. لذا من الناحية اللغوية، فإن العرب يُعتبرون أيضًا ساميين. لكن مصطلح "معاداة السامية (Anti-Semitism) " تم تطويره في أواخر القرن التاسع عشر، ليشير تحديدًا إلى أي عمل يستهدف اليهود كعرق ودين! وليس كإشارة أوسع لكل الشعوب السامية، ومع الوقت، أصبح هذا المصطلح جزءًا من اللغة السياسية والاجتماعية، لوصف كل أشكال العداء تجاه اليهود.
بالمقابل، الجرائم ضد العرب (الذين هم ساميون أيضًا) لا يتم تصنيفها ضمن "معاداة السامية"، لأن المصطلح ببساطة أصبح محصورًا بالعداء ضد اليهود فقط.
هذا لا يعني أنه لا يوجد تعاطف أو إدانات للجرائم المرتكبة ضد العرب، ولكن المصطلح "معاداة السامية" أصبح جزءًا من سرد تاريخي محدد. انتهى جواب الذكاء الصناعي، والذي يشير إلى الصهيونية باليهود، والذي أكد بأن المهاجرين إلى الكيان في غالبيتهم من الأشكناز، اي من يهود أوربا الشرقية. كشف آرثر كويستلر الصحفي والكاتب اليهودي البريطاني من أصل مجري كذب إدعاء السامية في كتابه، الذي وُصف بأنه (قنبلة القرن العشرين)، والذي نشره في 1976، بعنوان (السبط الثالث عشر، امبراطورية الخزر وتاريخه).
وهنا لا بد من ملاحظة أن كويستلر كان من بين أول عشرة مهاجرين وصلوا فلسطين وهو لم يكن يعارض قيام (إسرائيل)، لكنه كان ضد اعتبار المهاجرين ساميين، أي أنه أسقط الحق التاريخي الذي يدعيه الصهاينة في الأراضي المقدسة. والكتاب الذي تسبب باغتيال كاتبه وزوجته بالسم في منزلهم في لندن في 1983، والذي اختفى من المكتبات تماما، واستمعت إلى نسخة منه في قناة للكتب المقروءة على الإنترنت، يناقش نظرية مثيرة للجدل حول أصول اليهود الأشكناز، وهي المجموعة اليهودية الأوروبية التي تشكلت في العصور الوسطى، والتي تعتبر اليوم الأكبر من حيث العدد بين الطوائف اليهودية. ويشير بالأدلة إلى أن غالبية اليهود الأشكناز ليسوا أحفاد اليهود القدماء من الشرق الأوسط، (وبالتالي ليسوا ساميين)، ولكنهم ينحدرون من الخزر، الذين عاشوا في منطقة تمتد بين بحر قزوين والبحر الأسود في العصور الوسطى، وغالبا اصلهم من العرق التركي واعتنقوا اليهودية في القرن الثامن، وبعد انهيار دولتهم، هاجروا إلى أوروبا الشرقية وأسسوا مجتمعاتهم اليهودية هناك.
وبإشاراته هذه، يناقض كويستلر السرد التقليدي، الذي يفترض أن اليهود الأوروبيين ينحدرون من القبائل الإسرائيلية القديمة. أما لماذا أطلق على كتابه اسم (السبط الثالث عشر)؟ لأن المعروف أن بني إسرائيل هم يعقوب (ع) وأبناؤه الاثنا عشر، والذين يعرفون بالأسباط الاثني عشر وبينهم يوسف (ع)، وهناك من يشير إلى أن آخر شخص كان ينتمي اليهم فعلا هو إمبراطور الحبشة، الذي قتل في انقلاب عسكري سنة 1974 وقتل بعده ابنه الوحيد ومن ثم توفيت ابنتاه. وهؤلاء الأسباط وأحفادهم من المفترض (شعب الله المختار)، والذين لم يبق منهم أحد.. و(السبط الثالث عشر) استخدمه المؤلف تهكما، ربما، للإشارة إلى انهم يعتبرون انفسهم من المختارين، حتى وان كانوا من سبط ليس موجودا.
طبعا، فإن الكتاب أثار جدلًا كبيرًا في الأوساط الأكاديمية والسياسية. ولم يكن بمقدور المنتقدين أن ينعتوا كويستلر بـ "معاداة السامية" لأنه يهودي، وقابلوا نظريته بالقول إن الأشكناز من المشتتين الذين لهم أصول في الشرق الأوسط وان التحليلات الجينية الحديثة، التي أُجريت على مجموعات منهم أظهرت أن لديهم بالفعل خليطًا من الأصول، ولكن مع وجود ارتباط جيني واضح بالشرق الأوسط.