د. نادية هناوي
الاستبدال Metalepsis تقانة من تقانات السرد غير الطبيعي، وهي موظفة في القصص المصورة وأفلام الرسوم المتحركة وغيرها. وممن عنوا بدراستها جيف ثوس ببحثه (السرد غير الطبيعي والاستبدال) 2011 وفيه وجد أن الاستبدال لا يدرس ضمن نظرية كانت ماري لوري رايان قد وضعتها هي نظرية (عوالم القص الممكنة) حسب، بل أيضاً نظرية علم السرد المعرفي وعلم السرد الوسائطي. وأخذ بتعريف وارنر وولف للاستبدال بأنه انتهاك متناقض ومتعمد في الخلط بين عوالم فرعية متميزة وجودياً ومستويات موجودة أو مشار إليها داخليا.
وعاد إلى تنظيرات ديفيد هيرمان وماري لوري رايان حول أنماط عوالم القص الممكنة التي يختلط فيها الداخل السردي بخارجه من ناحية من الذي فعل ؟ ومع من ؟ ومتى وأين ولماذا ؟. وركز ثوس على دراسة التجاوزات المصطنعة بين العالم التخييلي والعالم الواقعي. وطبّقها على (الرجل الحيوان) لغرانت موريسون والكتاب عبارة عن قصص مصورة Comics، وفيها يكون لاستعمال ضمير المخاطب دور في خرق الحاجز بين الخيال والواقع، فيتمكن القرّاء من التمييز بين القول المروي telling والقول المروى told وبين ما هو جزء من العالم الممثل وما هو مجرد وسيلة للتمثيل.
ويرى ثوس أن تحديد عمل الاستبدال يتوقف على ثلاثة نماذج أولية هي: 1) التجاوز من عالم القصة إلى عالم آخر خيالي. الأمر الذي يوهم بأن الحدود بين العالمين قد انتهكت. 2 ) التجاوز المزيف بين عالم القصة والواقع وتسميه ماري لور رايان الخلط المتبادل 3) التجاوز ما بين القصة والخطاب، وفيه يقلُّ توظيف السرد غير الطبيعي. وعلى الرغم من هذا التحديد، فإن ثوس لم يخفِ حقيقة أنَّ التمييز بين حدود هذه الفئات الثلاث ملتبس.
وممن تخصص بدراسة الاستبدال جون بيير وعرفه بأنه (السيطرة على الحكي عن طريق التجاوز على المستويات السردية). وتحدَّث عن شكل سردي سماه الاستبدال المؤلف، ويتحدد فعل الانتهاك بالمؤلف حين يشرك نفسه أو قارئه في الفعل التخييلي للسرد أو حين تتطفل شخصية على العالم الخارجي للنص وتكون بموازاة المؤلف أو القارئ. وتجعل مثل هذه الانتهاكات التمييز بين المستويات السردية ملتبسا.
وبين بيير أن ما عده جينيت “تجاوزاً” هو بتعبير فاغنر “انزلاق” بين المستويات وبتعبير شلوميت ريمون كينان “ تقويض” الفصل بين السرد والقصة، وبتعبير براين ماكهل “دائرة قصيرة” تؤدي إلى انهيار نظام السرد بين العالم الخيالي للقص والبعد الأنطولوجي الذي يشغله المؤلف. والجديد الذي جاء به بيير هو النظر إلى الاستبدال بوصفه مفارقة Metalepsis as Paradox تتولَّد عنها اللاطبيعية بسبب انتهاك الحدود(المقدسة) بين عالم القصة الداخلي والعالم الواقعي الخارجي. وعلاوة على ذلك، فإن المفارقة غير طبيعية، بالمعنى المنطقي التقني، تنشأ من الكلام الذي يمكن أن يكون صحيحاً وكاذباً في الوقت نفسه. واقترح بيير طرائق عدة يمكن بها فهم المفارقة في استعمال الاستبدال منها: 1) نسبية التأثير الخاص مقابل التأثير العام 2) تكثيف الوهم باللامحاكاة والاحتجاب وما إلى ذلك 3) دور الوسائط المتعددة والثقافة الشعبية 4) الممارسات ذات الصلة في تاريخ الشعر والحركات الفنية، وما يعود إلى السرد القديم وأساليبه البلاغية.
ودرس سوفان ويو طرائق تطبيع السرد غير الطبيعي وهي : العقلية والتفسير المجازي والعوالم المتعددة والمحاكاة الافتراضية باستعمال عدة طرائق منها مثلاً : الواقع الشبيه بالحلم وما يسمى بعالم الجبن السويسري والنص الفوقي وافعلْ ذلك بنفسك، وعوالم القصص المستحيلة وماذا نفعل معهم؟
وممن درسوا الاستبدال أيضاً إروين فايرسينغر بكتابه (دوائر ديجيتيك القصيرة: الاستبدال في الرسوم المتحركة) وسونيا كليميك بكتابيها (الاستبدال في الثقافة الشعبية) و(الاستبدال في الخيال الفنتازي) وجان البر واليس بيل بكتابيهما (انطولوجية الاستبدال وعلم السرد الطبيعي). وما تزال دراسة الاستبدال مستمرة في مخابر علم السرد ما بعد الكلاسيكي وتولدت من جرَّاء ذلك مفاهيم كثيرة وتنويعات مختلفة فيها دلالة أكيدة على ما لضمير المخاطب من إشكاليات، وما في مصطلح الاستبدال من إمكانيات تسمح بالتمثيل على السرد غير الطبيعي. وهو ما يثير أسئلة عدة من قبيل لماذا يوظف الكاتب ضمير المخاطب؟ وكيف يحصل الانتهاك؟ ومن يقوم به؟ ومتى وأين وما الهدف المراد منه؟
إنّ محصلة المراحل الأربع وما في كل مرحلة من تنظيرات تكشف عن حقيقة أن الاستبدال عند أكثر المنظرين ما بعد الكلاسيكيين هو تقانة تصنع اللاطبيعية عبر انتهاك ما هو معتاد في مستويات السرد على عكس ما حدده جينيت في الاستبدال من أنه فعل عبور يصحح فعل الانتهاك ويجعله منطقياً أو طبيعياً. ولعل الفارق المفاهيمي بين أن يكون الاستبدال تقانة سردية غير طبيعية وبين أن يكون استراتيجية سردية، به تتطبع لا واقعية السرد إنما يكمن في ضمير المخاطب. وبسببه صاغ جينيت مصطلح الاستبدال في حين عمم المنظرون الآخرون عمل الاستبدال، فلم يقصروه على هذا الضمير وحده.