سليم بركات.. يستعير من الشعر تورياته وألعابه

ثقافة 2019/06/25
...

حازم مبيضين
رواية جديدة للشاعر والروائي سليم بركات، وقد جاء في التعريف بها على الغلاف الخلفي «مراهقون يدربون أعمارَهم على الثرثراتِ حرة، في خوفهم من حرية يحذرها المكان. سياق جامع لمجتزآتٍ عن الحي اليهودي في القامشلي، وعن الأرمن، ومناهج الخوف، مؤطرة بحكاية حب غير مكتملة، بعد حرب 1967، في دولة كلُّها إغراء بالرحيل، وإبداع للشَّغف بخطط الهجرة.»
يمزج بركات في سرديات الرواية، بين الموضوعات الكردية المأثورة، التي تعمّق طويلاً في استكشاف أبعادها البشرية المادية والرمزية المجازية، وموضوعة حضور الجاليتين الأرمنية واليهودية في بلدة القامشلي، من خلال قصة حبّ بين مراهقَين؛ على خلفية مباشرة هي حرب 1967، للوهلة الأولى تبدو أعمال سليم بركات على مستوى اللغة، «ملغزة» ووفقا لرائد الشعر الكردي الحداثي شيركو بيكا. س، لغة تستعير من الشعر تورياته وألعابه، لغة دفعت الكثيرين للتساؤل، أهذه لغة فائض أم جمالٌ؟ غير أنها لغةٌ شعريّة غير متكلّفة، وهو ما يقول بركات فيه «إن الشعريّ الذي يصاحب البناء المتخيّل لديّ هو برهاتٌ محضة في السياق الكبير، ولا أشغل نفسي به إلا بالمقتضى الذي تُشغل الرواية به نفسها». وبالنظر إلى معاجم اللغة سيكون استخدام بركات للمفردة في مكانه، من غير ثرثرة أو زيادة أو نقصان.
“امتلأت العراءات حول الهضاب الثماني في أرضِ ثاروس بالجثث، وتخاطفت العقبان اللحوم الممزقة، وتهارشت الكلاب فوق الأجساد، لا صوت غير صوت الحيوان في استجابة قلبهِ لنداء الدم حتى المطر هو الآخر كان ذا هطول أخرس». بهذا الوصف للمعركة التي انتهت بين شعبي هيكو ووثاروس والتي لم تُبقِ غير الشخصيتين الرئيسيتين في الرواية يفتتح بركات روايتهُ ثادريميس.
“لنمتحن مفردين في هذه السطور الثلاثة من الرواية. لم يورد بركات: تقاتلت، تنافست، هجمت، الكلاب، إنّما استخدم «تهارشت» وفي لسان العرب تحت «المهارشة» نقرأ «والمُهارَشةُ في الكلاب ونحوها، والهِراشُ والاهْتِراشُ: تقاتُلُ الكِلاب».
تمتاح لغة سليم بركات معينها من التعدد الثقافي المعيش ومن محكيات اليومي والقراءات المنفتحة على التأويل، يرسم خطوط رواياته بدقة متناهية، ويدمج فيها التراثي بالحداثي، الحاضر بالغائب، الميت بالحين ليوصي بضرورة العبور من مسافات ضيقة لكنها كافية لتمرير المعنى اللغوي الدال والمقتضب.
لكنَّ هذا التلخيص الشديد لا يستوفي ولو لبعض الإشارات إلى البانوراما الشاسعة في الرواية عن الوضع السوري في الأيام التي تلت هزيمة حرب حزيران/ يونيو 1967، وعن الاستبداد البوليسي آنذاك.
 
من أجواء الرواية
“لا كتبَ عندنا بالعبرية. لا أكتب رسائل إلى أمي بالعبرية ليجدها أحد. ليس عندنا بالعبرية إلاَّ التوراة في البيت»، ردت لينا.
“نحن أيضاً ليس عندنا شيء مكتوب بالكردية، يا لينا»، قال كيهات. أشار إلى عنقه بأصابعه كأنه يقطعه: «قد نُذْبَح».
“ألا تعرف الكتابة بالكردية؟»، سألته لينا.
“لا كتابة بالكردية. لا قراءة بالكردية. لا كلام بالكردية في غُرَف المدرسة. لا أكْلَ باللغة الكردية»، ردَّ كيهات.
هأْهأَت لينا مستظرفةً:
ـ لا أكْلَ بالكردية؟ بأية لغةٍ تأكل؟
“بأسنان اللغة العربية”، رد كيهات.
بركات يمزج هنا بين الموضوعات الكردية المأثورة، التي تعمّق طويلاً في استكشاف أبعادها البشرية المادية والرمزية المجازية، وموضوعة حضور الجاليتين الأرمنية واليهودية في بلدة القامشلي، من خلال قصة حبّ بين مراهقَين؛ على خلفية مباشرة هي حرب 1967، وبدء عمليات تهريب اليهود من المدينة إلى تركيا، ثمّ قبرص فالولايات المتحدة؛ من أعماله الشعرية نذكر دواوين «الجمهرات»، «بالشِّباك ذاتها، بالثعالب التي تقود الريح»، «شعب الثالثة فجرا من الخميس الثالث»، «الأبواب كلّها» وغيرها كما قدم عددا من الروايات نذكر من بينها روايات «معسكرات الأبد» و»سجناء جبل أيايانو الشرقي» و»السماء شاغرة فوق أورشليم»، كما نشر عدداً من السير واليوميات.