علي لفتة سعيد
منذ البدء، لم تكن الحرب التي شنّها الكيان الصهيوني على غزّة حربًا محدودة النطاق، بل إنّ العالم بأجمعه توقّع أنْ تشتعل الحرب بمشاركة إيران باعتبارها الساند الأكبر للمحور الفلسطيني، وخاصةً حركة حماس باعتبارها القوة الأولى في المواجهة مع الكيان الصهيوني. فمنذ تأسيس هذه الحركة عام 1987، وهي حركة انبثقت من رحم حركة الإخوان المسلمين في مصر، التي كانت نشطةً في خمسينيات القرن الماضي، وهو ما منحها نفوذًا في الحضور العام بدأ من خلال فعاليات المنظمات الخيرية والاجتماعية المختلفة، مما يعني وجود ترابط فكري بينها وبين الثورة الإسلامية الإيرانية.
لكن الأمور لم تكن كذلك، أو كما يريدها أو يشتهيها العقل الجمعي العربي والإسلامي، لأنّ المواجهة لن تكون بين مكانين متجاورين، بل ستكون عبر صواريخ وطائرات فقط، لبعد المسافة لأكثر من ألفي كيلومتر كأقصر طريق للطيران. الأمر الذي استدعى ان تقف إيران مع المقاومة بكلّ ما تستطيع، لتكون المواجهة أقوى وأمضى على الكيان الصهيوني؛ لأنّ هذه الفصائل تواجه على الأرض، وخاصةً حركة حماس وحزب الله في لبنان، وتبعها أنصار الله الحوثيون في اليمن، والفصائل المسلحة في العراق التي أُطلق عليها محور المقاومة. وبالنتيجة، أُطلق على جميع هذه المسميات (وحدة الساحات)، بهدف جعل الحرب مواجهة مستمرة، وإنْ اعتمدت على الصواريخ والطائرات المسيّرة واستهداف السفن التجارية في البحر الأحمر.
لكن الحرب تطوّرت، وصار هناك قصفٌ متبادلٌ بين إيران والكيان الصهيوني، والذي بدأ بعد أن أقدم الكيان الصهيوني على اغتيال إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما عُدّ انتهاكًا للسيادة الإيرانية. وعليه، كان لزامًا على إيران الرد، وقد قامت بذلك وأطلقت على العملية اسم "الوعد الصادق". وكانت هذه العملية القشّة التي قصمت ظهر بعير الابتعاد عن المواجهة، بعد أن تم اغتيال علماء إيرانيين داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما وسّع الخلاف والمواجهة، خاصة أن الكيان الصهيوني يعتبر إيران العدو الأول له، ويتهمها بدعم فصائل المقاومة التي يطلق عليها "الذراع الشيعي".
إنّ هذه المواجهة المتكرّرة بين قصفٍ كفعلٍ وقصفٍ كردّ فعل، واغتيال كفعلٍ وقصفٍ كردّ فعل، واستهداف المصالح الإيرانية في سوريا تُقابل بقصف إيراني. تبدو هذه الحرب سجالًا، وتدخل ضمن الحرب النفسية بين الطرفين، رغم أنّ الأمر لا يخلو من تصعيد متزايد. ومن الملاحظ أن كلّ طرفٍ يسعى لردّ الاعتبار؛ فلا إيران تستطيع التراجع، ولا الكيان الصهيوني يجد نفسه قادرًا على السكون، خاصة وأنّه شنّ آخر عملياته الجوية ضد إيران عبر 100 طائرة بينها طائرات مسيرة وعدد من الصواريخ استهدفت أكثر من 20 موقعا داخل إيران، كما جاء في الأخبار، وهناك تعاون أمريكي في تحديد دقّة الأهداف.
والسؤال: لماذا هذه المواجهة التي تشبه السجال بين الطرفين؟ تبدو الإجابة ان الفائدة من هذه المواجهة، هي أن إيران لا تريد الحرب المباشرة ولا ترغب في توسيعها، لأنها، أولًا، دولة تفهم معنى الحرب وأثرها على الأوضاع الداخلية. فهي دولة مؤسسات وليست دولة كيانات وصراعات، وتستند في قراراتها إلى صبر معروف لدى الجانب الإيراني. كذلك، وهي دولة ذات محور خاص، وتسعى إلى الاكتفاء بالدعم المختلف لفصائل المقاومة، باعتبارها الدولة التي ترعى المستضعفين في العالم، وهو ما نُصّ عليه في الدستور الإيراني، فكيف إذا كان المستضعف هو فلسطين، القضية المركزية ليس للعرب فحسب، بل للدول الإسلامية كافة.
إن هذا السجال سيبقى قائمًا بين طرفي الحرب غير المباشرة، إلّا إذا تمكّن المجتمع الدولي من إقناع الكيان الصهيوني بأن استمرار الحرب يجعله الطرف الخاسر اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، لأن الداخل الصهيوني لا يتحمّل ما تتحمله المقاومة التي ترفع شعار (إما النصر أو الشهادة).