القطاع الخاص.. والشراكة التكامليّة

اقتصادية 2019/06/26
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي 
 
 
المؤسسات الحكومية لم تعد قادرة على توظيف المزيد ، بعد ان ترهل الجسد الحكومي  واصبح يعاني صعوبة في الحركة، (العراق يعد من بين اعلى الدول توظيفا قياسا بعدد السكان) .. هذه حقيقة ، لاينبغي انكارها، اذن ما الحل؟ هل نغلق الجامعات ، التي يتخرج منها سنويا ما  لايقل عن ١٥٠ الف شاب، يدخلون الى سوق العمل، يضاف لهم غير الخريجين؟. وهنا، كيف سيكون حال الشباب ، هل يهاجرون ليحترقوا هناك بنيران الضياع والغربة ، ثم مايلبثوا ان يقفلوا عائدين يحملون فوق اكتفاهم هموما وآلاما لاحصر لها ولا عد ؟، ام يغلقون عليهم الابواب،بانتظار مَن يأتي طارقا لها، ليقول “هيتَ” لكم، هذه وظائفكم، فتفضلوا بتقلدها؟ كلا، لاتلكَ ولا هذه، لاهجرة ولا مكوث خلف الابواب، انما سينزلون الى الشوارع، مطالبين بفرص عمل لائق، فأما ان يحصلوا على مثل هذه الفرص، او انهم يتحولون الى تيار سلبي، لنكون عندها ازاء قنبلة موقوتة قد تنفجر في اي لحظة، إن لم نسارع الى تفكيكها.
ولكن .. مَـن يمتلك القدرة والامكانيـة على سحب فتيل هذه القنبلة وتفكيكها قبل انفجارها؟. من دون ادنى شك، ستكون الاجابة على هذا التساؤل المرير؛ انها الحكومة المسؤول الاول والاخير، وهي وحدها القادرة على حل المشاكل، نعم هذا صحيح ، ولا يختلف اثنان بشأنه ، فالدستور منح الحكومة هذا الدور، وبالتالي فهي ملزمة بحكم وظيفتها الدستورية بحل ، جميع المشاكل عبر رسم سياسات بعيدة المدى، تعمل على تحويل الزيادات السكانية من عامل ضغط على التنمية ، الى عامل رافع ودافع للاقتصاد.
وهذا صحيح ايضا، ولكن هذه السياسات تحتاج الى من يترجمها الى واقع عملي، يلامس حاجات المجتمع، وتمكينه من الحصول والوصول الى الخدمات ، والعيش الكريم، ولكن ، قلنا في بداية الكلام ، ان الحكومة، لم تعد قادرة على توظيف المزيد ، فكيف ستنجح في حل هذه الاشكالية ؟.
هي قادرة على ذلك شريطة التوجه نحو إيجاد فرص للعمل، وليس توفيرها، وايجادها هنا يختلف عن التوفير، فالاخير يعتمد على التوظيف الحكومي، والاول يستند الى حركة التنمية والاقتصاد، وهذه الحركة يمكن احداثها عبر اكثر من مسار، منها تشغيل المصانع والمعامل والشركات في القطاع العام والنهوض بالقطاع الصناعي وزيادة نسبة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي .
والثاني وهو الاهم ، الاتجاه صوب القطاع الخاص الذي لديه القدرة والامكانية، ما يجعله قادرا على سحب فتيل القنبلة التي حذرنا من انفجارها في اي لحظة.. ولكن ، هل القطاع الخاص ، مستعد لخوض غمار هذه العملية ؟.
نعم ، كل المؤشرات  تؤكد انه مستعد ..اذن لماذا لايتقدم لسحب الفتيل؟.. ما الذي يمنعه من ذلك ؟..ولماذا التردد ؟..هو ليس مترددا ولا خائفا ولا وجلا ، بل يريد توفير الظروف المناسبة فقط ، لكي يبدأ مشوار استيعاب التوظيف للعاطلين والخريجين.
القطاع الخاص بحاجة الى بيئة سليمة تتناسب مع ذكاء رساميله ..ولكن ، من يوفر هذه البيئة؟.
مرة اخرى ، نعود الى الحكومة ..فهي المسؤولة عن استقطاب القطاع الخاص ولكن ، كيف تتحقق هذه  العملية؟.
قطعا، انها تتحقق من خلال إيجاد شراكة حقيقية تكاملية بين القطاعين العام والخاص، شراكة تسودها الثقة ، بعيدا عن الاستحواذ ..ولابأس ان تبدأ هذه الشراكة بخطوات متوازنة ، تطمئن الشريك،(تشير خطة التنمية الخمسية ٢٠١٨-٢٠٢٢ الى ان حصة القطاع الخاص من حجم الاستثمارات المتوقعة ستكون ٤٠ بالمئة من اصل ٢٢١ ترليون دينار خلال ٥ سنوات). وهذه بداية مشجعة ..وماذا غير ذلك ؟.
تحقيق الشراكة وضمان ديمومتها  يتطلب اصدار حزمة من التشريعات الجديدة، فضلا عن تفعيل عدد من القوانين المعطلة تتعلق بالضمانات وحماية العاملين، وحماية المنتج والمستهلك والتعرفة الجمركية ، وسواها.
كما ان الامر يحتاج الى تمثيل حقيقي للقطاع الخاص ، بعيدا عن الطارئين الذين اساؤوا لهذا القطاع بعد ان حولوه من الصناعة والزراعة الى قطاع تجاري يقوم على الاستيراد، فخربوا الزراعة والصناعة، من دون ان يقول لهم احد، توقفوا ، كفاكم تخريبا .
وفي ذات الاطار، ومن خلال هذه الآليات والمعالجات ، يمكن الانطلاق بقوة صوب الاستثمار، والعمل على استقطاب وعودة رؤوس الاموال العراقية المهاجرة، فضلا عن تشجيع الاستثمارات الاجنبية، وفق ضوابط ومعايير ضامنة، فالعراق يتوافرعلى فرص استثمارية هائلة وفي جميع القطاعات .. وهنا نكون قد نجحنا في تفكيك القنبلة ، ووفرنا الاجواء الامنة لهجرة عكسية من القطاع العام للقطاع 
الخاص.