بغداد: نوارة محمد
هو واحدٌ من رواد الثقافة العراقيّة، صاحب تاريخ حافل بالانجازات في المسرح والسينما والتلفزيون، هذه التجربة التي امتدت طويلا أنجبت لنا العديد من المواهب ورسّخت قيم التمثيل في أقدس أهدافه، إنه محمود أبو العباس الذي ولد في البصرة عام 1956، عرف ممثلا ومخرجا وأكاديميا وكاتبا مسرحيا، شارك في العديد من الأعمال الفنية في السينما والمسرح والتلفزيون. قدّم أكثر من ثلاثين عملاً مسرحياً، وعشرات الأعمال والمسلسلات التلفزيونية، فضلا عن كتابته العديد من الدراسات النقدية والمقالات، فهو اسم لامع في المهرجانات الدوليّة والعربيّة والمحليّة لنيله جوائز تقديريّة عِدة كأفضل ممثل عراقي.
محمود أبو العباس في مجمل جهوده يتصف بالرزانة الابداعية، وهو قدوة ذات قيمة عالية لكل الأجيال، وصاحب رسالة يؤمن بقدرة الفن على جعل الحياة مصدراً ثرياً للقيم الإنسانية. يقول أبو العباس إنّ "الفن هو شعور فطري لدى الإنسان. لقد وجدت أن التمثيل له علاقة بالناس وبتشكيل الوعي الجمعي، عندما بدأت مبكراً لم يكن الأمر سهلاً وميسّراً، لكن التحول أخذ يتشكل لدي وسرعان ما نضجت، وسرعان ما أدركت قيمة الفن الحقيقي ورسالته السامية، فالتمثيل كان حُلماً ومطاردته بالنسبة لي أمر لا بدَّ منه".
بدأ أبو العباس التمثيل باكراً في 12 من عمره، وأول مسرحية له كانت في البيت، كما يضيف: كانت التجربة الأولى لدي مع المسرح، حين اصطحبني أخي الأكبر لحضور مسرحية في البصرة، هناك عرفت ما معنى أن يحظى الواحد مِنا بفرصة مثل هذه، سألته ما هذه الإنارة، أجاب إنه المسرح، وسرعان ما عُدت إلى البيت مذهولا بالمشهد، وقررت أن أحول صالة البيت الصغير إلى خشبة مسرح وحدث ذلك فعلاً، لقد كتبت مسرحية ومثلتها، من على خشبة مسرحي الصغير.
أبو العباس الذي اختار أن يدرس المسرح في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، اشتغل بعد ذلك في دائرة السينما والمسرح للعمل مع الفرقة القومية للتمثيل، لكنّه اضطر للسفر، إذ يوضح: سرعان ما تعرض للضغوطات في عام 1997 بسبب نص مسرحية "يا طيور" وحطَّ الرحال في إمارة الشارقة للعمل في المجال المسرحي.
ويقول: هذه المرحلة لم تكن لتمر مروراً عابراً خصوصاً أنني بدأت العمل الجاد ومسرحية "الرهن" كانت إحدى أهم تجارب تلك الحقبة، هذه التجربة التي تتحدث عن عيون المسرح العراقي، وهي رواية للكاتب الكبير الاستاذ فؤاد التكرلي، كتبها وأعدها أحد أهم أعمدة المسرح عبد الأمير شمخي، وقدمها لفرقة مسرح الفن الحديث، هناك وقفت أمام كِبار الممثلين، يوسف العاني ود. عواطف نعيم، خليل شوقي، مجيد حميد الجبوري، إقبال نعيم، فكانت تلك الفترة على مستوى عالٍ من البهجة،
والحرفية.
أبو العباس صاحب الاطلالة المؤثرة، الذي لا نبالغ إن قلنا إنه ساحر في هدوئه الفلسفي وحكيم في انكسارات ملامحه. لُقب بسندباد المسرح ووصف بساحر الدراما، وعبقري التمثيل في السينما، كما يتابع: إنّ "الالقاب تُعطى محبة للفنان ربما تقديراً لإبداعه، أو لعمله أما أنا فلا يستوقفني اللقب كثيراً، واشعر أن اللقب الحقيقي حينما أقدم عملاً وعطاءً يثني عليه الجميع، ولأن التسميات تأتي وتذهب أحيانا أو لربما هي ناتجة عن انفعالات عاطفية من بعض النقاد أو بعض المتلقين، إلا أنَّ أحب لقب بالنسبة لي هو "سندباد المسرح العراقي" ففي الواقع لم يستطع أحد من قبل من المسرحيين العراقيين أن يصل إلى جزر القمر في منتصف المحيط الهندي، لكني ذهبت إلى هناك لإقامة ورشة وكتبت من هناك "المسرح في جزر القمر" وهي أربع جُزر موجود فيها عدد من السكان منقطعين عن العالم، لكن لديهم مسرحاً خاصاً وحياة هادئة، أنا ومنذ ذلك الحين أتنقل بين الامارات وتونس والمغرب ودول عربيّة وأجنبيّة أخرى حاملاً رسالتي، المسرح ولا شيء سوى ذلك.
ومن المسرح إلى التلفزيون يقول أبو العباس: حين أضع نفسي بزاوية الاختيار بين هذين العالمين، أجدني مائلاً نحو المسرح، هذا العالم الساحر، حيث الأداء التمثيلي الذي له نكهته الخاصة، لكن طقس المسرح يجرّني لتقديم المزيد من العطاء.
ويؤكد: عندما يخرج الانتاج الدرامي العراقي من عنق الزجاجة ويتصدر للمشاهد العربي، سيكون حينها فقط بالمستوى المطلوب. ويرى أن هذا التعدد الكمي في الأعمال الدرامية قد سلط الضوء على ممثلين جيدين من الشباب، وعلى صنّاع أعمال يتمتعون بحرفيّة على مستوى الإخراج، والانتاج، والتصوير. ويؤكد أن "هذه الفكرة ستعضد بإطلاق منحة السيد رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني لإنتاج خمس أعمال درامية سأتولى مهمة رئاسة هذه اللجنة". ويشير محمود أبو العباس إلى أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، فهو يعد جمهوره برئاسة رابطة فنون المسرح بدعم السيد مستشار رئيس وزارة الثقافة الدكتور عارف الساعدي، وبدعم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، هذه الرابطة تعنى بتأسيس مجموعة فرق في محافظات العراق لتقديم عروض مسرحية للطفل، وهي لا تنحصر أيام مهرجان فحسب، لا بل إنها ستقدم لقطاع واسع من الطلبة، والجمهور العراقي بصورة
عامة".