ضعف طرائق التدريس يزيدُ الفجوة بين الطالب والمدرسة

ريبورتاج 2024/11/11
...

 رحيم رزاق الجبوري

 تصوير: احمد جبارة

يشعر الرعيل القديم من المدرسين والمعلمين بالخيبة تارة، وبالحسرة تارة أخرى، على ما آل إليه الواقع التعليمي، وعلى طرائق التدريس المتبعة من قبل أغلب الملاكات التربويَّة والتعليميَّة، وتراجع مؤشر الفهم والاستيعاب لعددٍ كبيرٍ من الطلبة والتلاميذ. وما لجوؤهم للمعاهد الأهليَّة والتدريس الخصوصي؛ إلا دليلٌ على القصور الكبير في تلقي وفهم المعلومة، بينما تلقي الملاكات التربويَّة، باللائمة على وزارة التربية بعدم توفير بيئة صحيَّة تساعدهم على تقديم المعلومة بالشكل الأمثل، والتي تتلخص بنقص المباني المدرسيَّة، والدوام الثلاثي والمزدوج، واكتظاظ الطلبة في الصف الواحد، وافتقار المدارس لأبسط مقومات الراحة، فضلاً عن تغيير المناهج وغيرها من العوامل التي طرأت على الواقع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد الأمر الذي نفته الوزارة، مؤكدة انها تبحث عن تحسين جودة التعليم

رسالة سامية

يقول الدكتور إبراهيم العلاف (أستاذ التاريخ الحديث المتمرس، بجامعة الموصل) الذي دَرَسَ طرائق التدريس في كليَّة التربية بجامعة بغداد قبل نصف قرن: إنَّ "التدريس مهنة صعبة، والمعلم يحمل رسالة سامية، وإعداده ليس بالمهمة السهلة". ويضيف لـ"الصباح" قائلاً: "أول عمليَّة في بناء الأجيال تبدأ برعاية المعلم والمُدرّس وحسن إعداده واختياره. فكان أساتذتنا من خريجي الجامعات البريطانيَّة والأميركيَّة ضليعين في مهنة وفن التدريس. وألفوا كتباً في هذا الاختصاص. وما زلت أتذكر روحهم الأبويَّة وسلوكهم في التدريس وتعاملهم الطيب مع الطلبة".


علم وفن

ويتابع العلاف: إنَّ "طرائق التدريس علم وفن وتدريب وأسلوب. تعتمد على طريقة إيصال المعلومات إلى الطالب أو التلميذ. وكلنا يعرف أنَّ هناك علماءً؛ لكنهم كانوا غير قادرين على التفاعل مع الطلبة. المهم هو ليس بامتلاك المعلومات؛ إنما في كيفيَّة وطريقة إيصالها بيسر وسهولة". مشيراً الى أنَّ "هناك تراجعاً بالاهتمام في طرق التدريس.. فخريجو بعض الكليات - وهم من يمارس التدريس اليوم في المدارس الابتدائيَّة والمتوسطة والثانويَّة- لم يدرسوا مادة (طرائق التدريس) لكنهم عينوا مدرسين ومدرسات وهذا خطأ كبير، وأحد أسباب تراجع المستوى العلمي ولجوء التلاميذ والطلبة إلى الدروس الخصوصيَّة".


واقع غير مؤهل

كما يشكل العلاف على مؤلفي الكتب المنهجيَّة، ويصفهم بـ"غير المتخصصين".

ويمضي قائلاً: إنَّ "مدارسنا اليوم وبهذه الأعداد الكبيرة غير مؤهلة لكي تتقبل الطرق الحديثة في التدريس. ومنها الاهتمام مثلا بميول التلاميذ والطلبة ودوافعهم. وأيضاً استخدام وسائل التعليم الإلكتروني الحديثة. وكذلك ربط الواقع بالتعليم، والاهتمام بكيفيَّة وصول المعلومة إلى الطالب، وخلق حياة مدرسيَّة حقيقيَّة بين الطلبة، وتشجيع روح المشاركة والتعاون بينهم، فضلاً عن التأكيد على التجربة في التعلم، والتعلم عن طريق اللعب، والتعلم من خلال الحوار، وتحويل الدرس إلى ميدانٍ للنقاش وطرح الأفكار؛ الذي يسهل تناقل المعلومات والأفكار وربط المعلومات بالواقع".

ويختتم حديثه: "إنَّ هدف التعليم في العراق حالياً؛ ارتبط بالوظيفة والتعيين والرزق؛ وهذا ما أدى إلى الاعتماد على التدريس الخصوصي وازدياد المدارس والجامعات الخاصة والأهليَّة. فنحن بحاجة إلى لجنة من الخبراء والمختصين للبحث في أسباب تدهور التعليم، وسبل معالجته".


غياب التخطيط

بدورها تشير الدكتورة فاطمة أحمد داود، إلى أنَّ "طرائق التدريس تعدُّ من القضايا بالغة الأهميَّة في الحياة العلميَّة؛ كونها تمثل الإطار الطبيعي للمعلم والمدرس لممارسة مهاراته التدريسيَّة والتنظيميَّة والتخطيطيَّة لتحقيق الأهداف التربويَّة التي تنشدها المؤسسة التربويَّة". وتضيف لـ"الصباح": أنَّ "الطريقة التدريسيَّة ذات سمة فاعلة في العمليَّة التربويَّة للسيطرة على سير الدرس وإدارة الوقت وتنظيم العمل لكلٍ من المعلم والمتعلم، وتحقيق ما تصبو إليه من نقل معارف وبناء وتنمية مهارات تعليميَّة فعالة عند المتعلم".


أنماط سائدة

وتابعت الدكتورة داود (وهي أستاذة في جامعة بغداد): "إذا ما أردنا أنْ نتعرفَ على إجابة السؤال الذي ما انفكَّ يُطرح على مسامع التربويين والمتخصصين في المجال التربوي عن واقع طرائق التدريس في الوقت الحالي؛ نجد أنه على الرغم من التطوّر الهائل في التكنولوجيا والتحوّلات العلميَّة واستراتيجيات التعليم؛ فما زال كثيرٌ من مؤسساتنا تعتمد أسلوب الحفظ والتلقين واسترجاع المعلومات حين الطلب، فضلاً عن التزامها بالأنماط السائدة في الدروس والامتحانات وغيرها".

وتشدد داود على أنَّ "واقع طرائق التدريس يختلف حسب المؤسسة التعليميَّة. إذ نراها حاليا تمرُّ بنوبة من الصحو في مؤسسات التعليم الأهلي؛ لأنَّ فلسفة هذه المدارس تقوم على مواكبة الحداثة لإغراء الطلبة وإعطائهم الثقة بأنفسهم وترغيبهم بالمشاركة الفعالة والنشطة في الدراسة، كما أنها تحفز التدريسي على الإبداع لتوافر متطلبات طرائق التدريس الحديثة من سبورات وتقنيات وغيرها. لذلك نجد أن أولياء الأمور والطلبة يميلون إلى الجانب الأهلي في التعليم إذا ما توفرت لديهم القدرة الماديَّة، بينما نجد أن هناك موانع وصعوباتٍ في مواكبة وتطبيق طرائق التدريس الحديثة في مؤسسات التعليم الحكومي".

ونوهت الى أنَّ "اتباع طرائق تدريسٍ ناجعة يواجه صعوبات جمة بسبب ضيق وقت الدرس، والدوام المزدوج، وكثرة أعداد الطلبة في الصف الواحد، فضلاً عن ضعف الإمكانيات اللوجستيَّة، وقلة الوسائل الحديثة التي تعتمدها الطرائق الحديثة، علاوة على ضغط الجانب الإداري، وكثرة العطل الرسميَّة التي أثرت بطريقة سلبيَّة في المعلم والمُتعلِّم؛ ودفعت التدريسي إلى اتباع طرائق قديمة لإنهاء المادة التعليميَّة في الوقت المحدد".


كفاءة المعلم

وبشأن التباين في مستوى كفاءة الملاكات التعليميَّة، قالت داود: "أصبحنا نقف على أطلال الماضي، لما نشهده من واقعٍ مؤلم، إذ نجد أنَّ المؤسسات التعليميَّة؛ ليس كل ملاكاتها من خريجي كليات التربية. وكذلك تزايد عدد الخريجين مقابل تدني المستوى التعليمي والتأهيلي. إذ تحولت الجامعات العراقيَّة إلى مجرد أسماء، وتراجعت بشكلٍ كبيرٍ مستويات الهيئات بسبب قلة الكفاءة وكثرة الشهادات التي ملأت العراق، والغالبيَّة من حامليها غير مؤهلين أو مدربين تدريباً صحيحاً الذي يعدُّ الأساس في عمليَّة التعليم، 

فضلاً عن ضعف العلاقة بين 

التعليم العالي والخريجين وسوق العمل".


معالجات وحلول

وفي ما يخص معالجة هذه المشكلات، ترى الدكتورة فاطمة "الحاجة إلى إنشاء قنوات اتصالٍ بين الكليات في العراق والجامعات الأجنبيَّة. وكذلك الاهتمام بجانب التدريب والتأهيل الذي يعدُّ أساساً في العمليَّة التعليميَّة. فضلاً عن عقد دورات وورش وندوات مشتركة بين مديريات التربية ووزارة التعليم العالي. والاهتمام بطرائق التدريس 

الحديثة وآليَّة تطبيقها".

مستشار التدريب الدولي والمدرب الجامعي المعتمد عقيل العذاري يؤكد "تراجع واقع طرائق التدريس"، ويشير الى أنَّ "معظم من يشارك في دورات التدريب؛ ليس من أجل كسب المعرفة وزيادة القدرات؛ بل من أجل احتساب شهادته العليا، وهنا يفقد عامل الرغبة الحقيقيَّة بالدورة ومدى فائدتها". ويضيف: "انَّ المناهج الموجودة في دورات طرائق التدريب والتدريس؛ لا تواكب التقدم التكنولوجي والمعرفي. وإنما تركز على الجوانب الأكاديميَّة البحتة، وتهمل الجوانب العمليَّة المهمة".


التربية تتدارك

التركة الثقيلة والموروثة للتربية والتعليم، تجعل من الصعوبة إصلاح هذا القطاع الحيوي في وقتٍ قصير.. وتقول وزارة التربية إنها تعمل على تطوير طرائق التدريس بما يتناغم مع الاستحداثات والتحديثات والتنقيحات التي تطرأ على المناهج، ومنها مادتا اللغة الانكليزيَّة والرياضيات.

وأوضح المتحدث باسم الوزارة، كريم السيد في حديثه لـ"الصباح" أنَّ "التغيير الذي طرأ على المناهج حمل معه تغييراً في طرائق تدريسها، فضلاً عن إدخال التقنيات الحديثة واعتماد نظام التعليم المدمج بشكلٍ عام"، مشيراً في هذا الصدد الى أنه "قبل أيام أطلقت الوزارة معايير خاصة بالتحول الرقمي بالنسبة للمناهج، وهذا بالتأكيد يحمل معه كل جزئيات التغيير على مستوى طرائق التدريس".

وأكد السيد أنَّ "الوزارة تبحث دائماً عن تحسين جودة التعليم من خلال طرائق التدريس، وكذلك من خلال الاستحداثات التي تجري على المناهج".

وتابع أنَّ "الوزارة مستمرة أيضاً بالعمل على ملف الأبنية المدرسيَّة، ما سينتج بالضرورة تحسناً على طريقة المنهج مع وجود بناية صالحة وحاصلة على الاشتراطات الخاصة بحدود الصف وعدد الطلاب"، مؤكداً أنَّ "هذا الأمر له انعكاسٌ على طريقة التدريس ومستوى جودة هذه الطريقة".