الإبادة الجماعيَّة.. مشروعٌ صهيونيٌّ مستمر

آراء 2024/11/13
...

عباس الصباغ

في التاسع من كانون الأول من كل عام، تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي بمنع الإبادة الجماعيَّة باعتماد اتفاقيَّة ملزمة بمنع جريمة الإبادة الجماعيَّة والمعاقبة عليها، والتي تعد التزاماً عالمياً حاسماً قٌدّم مباشرة قبيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عند تأسيس الأمم المتحدة، إذ (لا يمكن تبرير مثل هذه الانتهاكات المروّعة بحجة الدفاع عن النفس كما تدعي إسرائيل)
 فجاءت اتفاقيَّة عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعيَّة والمعاقبة عليها وهي أول معاهدة لحقوق الإنسان اعتمدتها الجمعيَّة العامَّة للأمم المتحدة، وتشير الاتفاقيَّة إلى التزام المجتمع الدولي بألاّ تتكرر فظائع الإبادة أبداً، وتتكون الاتفاقيَّة من 19 مادة منها: (أياً من الأفعال التالية المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قوميَّة أو إثنيَّة أو عنصريَّة أو دينيَّة بما في ذلك قتل أعضاء من الجماعة ـ إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة ـ إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشيَّة يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً ـ فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة ـ نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى) تصبُّ كلها ضمن منع وتجريم الإبادة الجماعيَّة ومعاقبة مرتكبيها، فلم تعد الإبادة الجماعيَّة شأناً داخلياً تخصُّ الدول بل هي شأن إنساني عالمي.
وعليه تنطبق مفاهيم الإبادة الجماعيَّة بحذافيرها على ما جرى ويجري في قطاع غزة وجنوب لبنان، إذ يخضع الإنسان هناك عمداً لظروفٍ معيشيَّة يرادُ بها تدميره المادي، كون التصرفات الصهيونيَّة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023 تهدف إلى إلحاق الدمار بجزءٍ كبيرٍ من المجموعات الوطنيَّة والعرقيَّة والإثنيَّة الفلسطينيَّة في قطاع غزة خصوصاً وأخيراً في لبنان. وتتوافق هذه التهم مع تعريف الإبادة الجماعيَّة المدرجة في اتفاقيَّة جنيف التي تعد "إسرائيل" أحد "الأطراف" المشمولة بها وفق المواثيق الدوليَّة بمشروع الإبادة والنتائج المترتبة عليها. وإنْ كانت "إسرائيل" مستمرة في تجاهل جميع تلك الاتفاقيات والمعاهدات والقرارات الصادرة عن مختلف الهيئات الدوليَّة، رغم الصمت المريب للمجتمع الدولي أو غضّ نظر الهيئات الفاعلة كهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وغيرها عن تأدية دورها الإنساني والأخلاقي تجاه غزة ولبنان والاكتفاء بالإدانة والشجب والتنديد، وربما "القلق" فقط.
ما عدا ذلك قامت جنوب أفريقيا بتجريم "إسرائيل" رسميًا، واتهامها بانتهاك اتفاقيَّة الإبادة الجماعيَّة، ورفع دعوى ضدها في محكمة العدل الدوليَّة، ثم طلبت من محكمة العدل الدوليَّة أنْ تطالب الكيان بوقف عملياته العسكريَّة وانتهاكاته في قطاع غزة، فضلاً عن جميع المناشدات والطلبات الرسميَّة والدوليَّة والشخصيَّة (ومنها مطالبات جمهوريَّة العراق) بوقف العدوان وعمليات الإبادة المستمرة والتي أودت بحياة أكثر من 43 ألف شخصٍ أكثرهم من النساء والأطفال والشيوخ، ومن بقي حياً منهم فإنه يعاني الحرمان من أبسط متطلبات الحياة. والأمر تكرر في لبنان بسقوط آلاف الشهداء جراء القصف الوحشي والهمجي، فضلاً عن التدمير والتجويع والترويع ومنع كل سبل الحياة اللائقة بالبر.
التاريخ الإنساني حافلٌ بالكثير من صور الإبادة وانتهاكات حقوق الإنسان، تأتي في مقدمتها الإبادة الجماعيَّة ضد الهنود الحمر (السكان الأصليين لأميركا) على يد المستعمر الكولنيالي الأميركي، ناهيك عن جرائم إبادة الزنوج المختطفين من مجاهل العالم (وهم بالملايين). وفي القرن العشرين حصلت الكثير من عمليات الإبادة والمجازر في جميع أنحاء العالم ومنها العراق، وآخرها عمليَّة الإبادة الجماعيَّة في غزة ولبنان وهي أفظعها وأكثرها دمويَّة.. فقد انتهكت "إسرائيل" القانون الإنساني الدولي ـ كالمعتاد ـ والذي يخصُّ جرائم الحرب بمهاجمة المدنيين العزل عمداً لقتلهم، وتُعدُّ الغارات الجويَّة والهجمات الصاروخيَّة أو العشوائيَّة التي تشنها قوات الاحتلال جرائم إبادة عن قصدٍ وذلك بتوجيه العقوبة الجماعيَّة للجميع من دون تفريقٍ بين عنصرٍ مسلحٍ وآخر أعزل، أو من دون التمييز بين أعمار الموجودين، إذ استهدفت الجميع حتى الأطفال الرضع وموظفي الأغاثة فهي اعتبرت الجميع وكل ذي روح أهدافاً عسكريَّة.
فاستمر مشروع الإبادة الجماعيَّة الصهيوني واستمر معه الصمت الدولي المريب.