محاسبة الوزراء قضائيّاً

العراق 2019/07/01
...

سلام مكي

إنّ تصويت مجلس النواب على منح الثقة لمرشح لوزارة معينة، لا يعني منحه حصانة دستورية أو قانونية، بحيث أنّه غير خاضع للرقابة والمحاسبة في حال تجاوز صلاحياته الوظيفية او ارتكب ما يخالف واجباته او مارس أحد الأفعال المجرمة وفق قانون العقوبات. والدليل، أن إحدى اختصاصات مجلس النواب وحسب نص المادة 61 من الدستور هو الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وإن من صور تلك الرقابة هو استجواب الوزراء والتصويت على سحب الثقة في حال تولدت قناعة لدى أعضاء المجلس أو تم التصويت على عدم القناعة بأجوبة الوزير المستجوب.. وهذه الطريقة هي السائدة في العرف السياسي لمحاسبة الوزراء بغض النظر عن دوافع تلك الاستجوابات، لكن: هل المشرع لم ينص على طريقة أخرى لمحاسبة الوزراء غير الاستجواب امام البرلمان؟ هل ان ولاية القضاء لا تمتد لتشمل الوزراء؟ بالعودة الى نص الدستور نجد أن المادة 93 سادسا، نصت على ان من اختصاص المحكمة الاتحادية هو الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وينظم ذلك بقانون.. أي أن الدستور أشار الى إمكانية محاسبة الوزراء عن طريق القضاء، بشرط أن ينظم عملية النظر بالاتهامات الموجهة الى الوزراء قانون خاص. وهنا يتضح أن للمحكمة الاتحادية اختصاص جزائي، يتمثل بمحاسبة أعضاء السلطة التنفيذية من وزراء ورئيس مجلس الوزراء، أما عن كيفية تنظيم تلك العملية، وهل أن المحكمة الاتحادية هي بمثابة محكمة تحقيق ومحكمة موضوع، فهو أمر يحدده قانون المحكمة الاتحادية الجديد، أو القانون الخاص بالفقرة سادسا أعلاه. وبالعودة الى مشروع قانون المحكمة الاتحادية المعروض أمام مجلس النواب للتصويت عليه، نجد أن المادة 5 سادسا من مشروع القانون، نصت على أن من اختصاصات المحكمة الاتحادية هو الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء. وهذا النص وحده غير كاف، لتطبيق النص الدستوري، الذي اشترط أن ينظم هذا الاختصاص بقانون، وإن نقل النص حرفيا من الدستور الى القانون، لا يحل المشكلة ولا يحقق الهدف من وضع هذا النص في الدستور، لذا فإن على المشرع أن يطبق الدستور بشكل صحيح، من خلال تشريع قانون خاص ينظم عملية الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الوزراء والوزراء ورئيس الجمهورية، وألا يترك الأمر دون معالجة، ذلك أن تعطيل عملية محاسبة الوزراء عن طريق القضاء، أمر لا يصب في مصلحة النزاهة والمساواة امام القانون التي نصت عليها المادة 14 من الدستور، إذ إن تحصين الوزراء من المحاسبة أمام القانون، والاكتفاء بالدور الرقابي لمجلس النواب، أمر يؤدي الى تكريس التمييز بين المواطنين امام القانون، من خلال استثناء فئة من المسؤولين من المحاسبة أمام القضاء، ويعطل أهم مبدأ قانوني وهو خضوع جميع رعايا جمهورية العراق الى ولاية القضاء العراقي.. إن تعزيز دور القضاء وخصوصا المحكمة الاتحادية في تطبيق الدستور وممارسته لكافة الاختصاصات التي نص عليها الدستور أمر مهم وضروري لضمان حسن سير أداء الوزراء ولتقليل عمليات الفساد التي يمارسها البعض نتيجة لغياب دور القضاء. فالمحكمة الاتحادية لا يمكنها أن تمارس اختصاصها وفق الفقرة سادسا في الوقت الحاضر لعدم وجود قانون ينظم هذا الاختصاص.