بيت العز.. حنان الأجداد زادٌ لمدى الحياة

اسرة ومجتمع 2025/01/05
...

  سعاد البياتي 

يبقى بيت الأجداد تحفة ثمينة وواحة استراحة ينعم فيها الأفراد والأحفاد، وملجأ وحضنا دافئا يفيض بالحب والعفوية، وينبض بالحيوية والضحكات والذكريات واللعب، دون ان نواجه كلمات المنع أو الزجر، ففي كل مكان وزمان ومهما تغيرت الأحوال وطال الوقت وقسى، ومهما ازاحت التكنولوجيا رياح المحبة وعصفت بمتغيرات البيئة والأسرة، يظل ذلك البيت الأجمل والأحلى من أي مكان.

فمن منا لم يحظ بحضن جدته إن مر بحزن أو مشكلة، ومن منا لم يتصل بجده وجدته ليدعو له بالتوفيق والنجاح قبل الامتحان، ومن منا أراد أكلة مفضلة فطلبها من جدته، ومن منا لم يعبث في غرفته ويصنع الفوضى والضوضاء دون أن يوبخ أو يصرخ، ومن منا حظي بدفاع حينما نخطئ، هذا هو بيت الأجداد باختصار أشبه باللجوء السياسي والأمان. 

وعلى مدى الأعوام، ومن منطلق الحكايات والتي تبعث الفرح والاطمئنان، سنكون في رحاب بيت الأجداد لنطوف بين حناياهم الممتلئة بالحكايات والمواقف. 


مرح وسعادة

يقول الجد مهدي الجيزاني (65 عاما) ان من دواعي سروري في هذا العمر أن أحفادي يعيشون معي وهم أربعة احفاد يملؤون البيت مرحا وسعادة، أعز ما في الوجود على قلبي وقلب جدتهم، التي تسعى لارضائهم بكل ما يحبون، وتمنحهم الكثير من الحب والحنان، ولن ترضى بإيذائهم من قبل والديهم، حينما يخطئون في شيء، بل تكون السد المنيع لذلك، وتعد وجودهم متعة كبيرة تستعيد بهم ذكرياتها، والطريف في الأمر أن كل سلوكهم المؤذي أحيانا لا يشكل أدنى إزعاج أو ضيق لنا.

ويؤكد الجيزاني أن الأجداد يكونون في الاغلب موضع اسرار الاولاد الشباب وأطباء استشاريين ونفسيين لكل حالة، وفي ذلك شعور لا يوصف حينما تكون العلاقة أقرب اليهم من والديهم.


متعةٌ وصداقة

ويبين بكر محمود (60 عاماً) علاقته بأحفاده واصفا اياها بالمتعة والصداقة التي لامثيل لها، لا سيما وأن أحفاده يعدونه مستشارا وصديقا، وهو بدوره يشاركهم اهتماماتهم وهواياتهم وفي أحيان أخرى يخرج معهم في نزهة أو سفرة، فأحفاده أعز من ابنائه على قلبه ليطبق المثل القائل (أعز من الولد ولد الولد)، لذلك يحنو عليهم ويوجههم، وهو خير عون لهم، وكلما تدرجوا في مراحلهم الدراسية حسب بكر فأنه يبقى ينتظر نتائجهم بقلق، ويحثهم على النجاح بالهدايا والمغريات الأخرى.


تواصلٌ أسري

في حين ترى الجدة ليلى سعيد (55عاماً) أن وجود الاحفاد في بيت الجد يكسبهم مزيدا من الحنان، ولكنه ربما يكون أحيانا ممزوجا بالدلال المبالغ فيه، فالعطلة الصيفية هي الأكثر تواجدا لهم هناك والأكثر فترة ممتعة في حياة الأحفاد في بيت الجد الواسع الرحب، وهي وسيلة للتواصل بين الحاضر والماضي واكتساب القيم، من خلال القصص والمواقف، التي يقوم الأجداد بسردها للأطفال، كما يعد وجود الأولاد في بيت أجدادهم تواصلا أسريا وطريقة لتعزيز العلاقات الاجتماعية، وكثيرا ما تذهب زوجات أولادي للمشاركة في عرس أو مناسبة اجتماعية ثم يودعن اطفالهن عندي، لتبدأ حفلة الصراخ واللعب واحيانا (الشعوذة) حسب المفهوم العام، وربما يصل الأمر إلى حد نشوب معركة في ما بينهم، لكن هذه الضجة اراها احلى من اية شئ في الدنيا، بل وألح على أحفادي بالمبيت عندنا. 

تخطي القوانين

خبراء الاجتماع والمختصين في الشأن الأسري أوضحوا» أن الأجداد والجدات هم الاكثر قربا من احفادهم وذلك لشعورهم بمسؤوليتهم تجاه أبناء الابن أو البنت، وبذلك يعيشون بسعادة فائضة مع هذه الأجواء التي تكسبهم محبة وإحساسا بالحياة وأكثر تقبلا للذكريات بواسطتهم، ويكونون أسرع تأقلما مع الظروف من غيرهم. 

وأحيانا كثيرة تحدث بعض التداعيات مع آباء الأبناء والأجداد، نتيجة الدلال أو تخطي القوانين عليها في بيت أجدادهم، كالسماح لهم باللعب إلى ساعات متأخرة أو الإفراط في الاكل، غير أن كثيرا من الأسر لا تزال تحافظ على علاقات جيدة في ما بينها، وتحرص على اللقاء الأسبوعي الذي غالبا ما يكون في بيت الوالدين (الجد الجدة) وربما الاكثر حضورا هو في العطلة الصيفية التي تروق للأسر وتنعم في بيوت والديهم، هذه اللقاءات ينتظرها الكبار بشوق ولهفة، وربما تكون من أجمل الأيام والساعات لديهم، فهي تشعرهم بوفاء الأبناء والبنات، وتزيد من التقارب بين أفراد الأسرة الكبيرة.

بناء العلاقات

ويبين الباحث نصير الشيخلي استاذ الاجتماع في الجامعة العراقية « إن مثل هذه اللقاءات لها فوائد كثيرة، سواء على الطرفين الاجداد والاحفاد، فهي تزيد من أواصر المحبة والتقارب بين الجميع، وفي تبادل الخبرات والحوار بينهما والإنصات إلى تجارب الكبار والتعلم منها، وحل أي خلافات أسرية يمكن أن تحدث، وتربي الأبناء على أهمية التواصل مع الأجداد والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وهذا يسهم في المحافظة على العلاقات الاجتماعية واستمراريتها، كما وتشعر الكبار بالحب والتقدير، ويتعلم الاولاد في بيت أجدادهم، بعض المفاهيم والعادات الجميلة، التي تغرس في نفوسهم من دون أن يشعروا وتنمو في داخلهم ليجدوها في مستقبلهم عوناً له في التعامل مع المجتمع.

ولأهمية بيت الأجداد والتمتع بكل حرية فقد سلط عليه الضوء من قبل علماء النفس والاجتماع وتناوله الشعراء، نسأل الله أن يحفظ الجدات والاجداد ويطيل في اعمارهم لقيمة وجودهم.