سعاد البياتي
حينما تدعوني الحاجة إلى التسوق من الأسواق الشعبية، وأخوض في تفاصيلها الكثيرة والمتعبة، الاحظ وجوههن وملامحهن الغائرة وخطوط التعب والتجاعيد التي اعطتها الشمس لوناً مغايراً، نساء في أعمار كبيرة يفترشن الأرض ببسطيات يسترزقن منها منذ الصباح الباكر وحتى مغيب الشمس ينادين على أي عابر يعرضن بضاعتهن بأسلوب عاطفي وحنون وكأنهن يقولن أن الحياة الكادحة تقف هنا أمام أرجلهن المليئة بالخطوط الخشنة وأمام أعينهن الحالمة بأيام راحة وساعات سهلة يحتفلن حتى بعيد واحد مع أسرهن ويستمتعن بما اجاد الله عليهن، وقفت أمام إمرأة تبيع الخضرة وسألتها بكلمات مازحة هذا عام جديد كيف وجدتيه، أجابتني بحكمة (حبيبتي كل الأيام تتشابه يا عام جديد) ! أعطت صورة جلية بأن ألفقراء والكادحين في الأسواق والبسطيات أيامهم متساوية، ليس هناك حظوظ لواحدة دون أخرى، كلهن متساويات في العمل والخروج فجر كل يوم لاعالة أسرهن، بلباس بسيط وأدوات أبسط مما نتصور!
في السنوات الأخيرة بدأت تزداد صورة النساء البائعات في الأسواق الشعبية بشكل ملفت وكبير، نظرا للظروف الاجتماعية والتداعيات الأخرى التي مرت وكانت قد أفرزت العديد من المشكلات في المعيشة والحياة اليسيرة، ونظرا لأن المرأة أخذت دوراً مشهوداً في اعالة الأسرة بعد غياب المعيل او احتمال مرورها بظروف قاسية كان لها أثر في غياب الأب وتلاشي فرص العمل، فلم يجدن أمامهن غير سوق العمل من أجل أسرة ولقمة عيش شريفة، وهذا ما استشف من أنهن يحملن صفات لا توجد في غيرهن مثل التحمل والعمل الجاد وخلق مسيرة من الكفاح لا يمكن التغافل عنها، وكيف لا تكون حياتهن مادة جيدة للاحتفاء، حيث يشكلن لوحة إنسانية ملأى بالمشاهد المعبرة عن الثقة والطاقة الإيجابية وصلابة الروح والعزيمة، وكل إنسان كان يمر من أمامهن يحمل لهن التحية والاعجاب ويصر على المرور بهن ليتبضع من بضاعة البركة والخير بأسلوب يجذب اي مقتن للخضراوات والسمك وخبز التنور والمواد المطبخية البسيطة، وهن يفترشن الأرض التي احتوت أجسادهن المتعبة وشهدت على أنهن كادحات، فنساء بلادي لوحة عظيمة مفعمة بالحياة والخطوط لأروع رسام .
تحية لكل امرأة منحت لأسرتها الحياة الكريمة وعملت بشرف ولم تلجأ للتسول والخذلان.