المهرجانات العربيَّة.. غيابٌ ملحوظٌ وتكريسٌ لأسماءٍ بعينها

ثقافة 2025/01/27
...

 علي العقباني

يمكننا باختصار اعتبار المهرجانات السينمائية، ظاهرة اجتماعية وإنسانية وثقافية توفر للنقاد والصحفيين والسينمائيين والمهتمين بالشأن الثقافي، مادة غنية لكتاباتهم الإعلامية والإبداعية والفكرية، ولجمهور المشاهدين من عشاق السينما، فرصة لمشاهدة الجديد من الأفلام المنتجة حديثاً في العالم، كذلك هي فرصة للقاء والنقاش والتحاور وتبادل الآراء عبر الندوات والجلسات المتخصصة، إذ يجتمع الكتاب والمخرجون والنقاد والصحفيون أيضاً.

يُشيد الكثير من النقاد العرب الذين يعيشون داخل الأراضي العربية، أو في المغتربات  ويكتبون في الصحافة والمجلات العربية، بتجربة بعض المهرجانات الحديثة التي تسعى، من خلال اختياراتها الفنية للأفلام المشاركة، أو للتظاهرات الجانبية للمشاركة الفاعلة في طرح أسئلة ثقافية وجمالية وفكرية على السينما وصانعيها، وعلى علاقة الصورة بالمجتمع والناس، والقضايا التي تلح على الحياة العربية المعاصرة، وعدد قليل من المهرجانات، التي تخصصت بنوع سينمائي خاص، أو جغرافيا مكانية، أو عربية ومحلية متخصصة، القيام بهذا الدور عبر صيغ مختلفة؛ كجوائز، أو منح، أو مساهمات إنتاجية مشتركة وغيرها من الصيغ، وقد دعا كثير من النقاد وصناع السينما، عبر سنوات طويلة إلى إيجاد صناديق لتمويل الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، مع ضرورة ربط هذه الصناديق ببعضها البعض في المهرجانات العربية. لا ضير، ولا حسد، ولا نظرة ضيقة الأفق في أن يحضر النجوم، حتى لو كانوا من الصف العاشر، ويكاد لا يعرفهم أحد حتى جيرانهم في البناية، ولم يقدموا أي منجز سينمائي مهم، فهم وقود المهرجانات وربما علامتها الفارقة، لاسيما الأصدقاء والمعارف وأصحاب "الواسطات" والأهل أيضاً، وبعض السيدات الجميلات، فهي فرصة للترفيه والتنزه وأخذ الصور التذكارية، وكذلك لا ضير في دعوة نجوم السوشيال ميديا والمواقع الالكترونية والمنصات لالتقاط صورة لممثلة ترتدي لباساً لا يستر إلا الجزء اليسير منها، ونشرها كترند عن فضائح المهرجان ولا أخلاقيته، فضلاً عن الصحفيين، الذين يسارعون إلى اللقاءات وتصيد الأخبار والنشر، كرسائل خاصة بيوميات المهرجان، وبعضهم لم يشاهدوا فيلماً واحداً ولا تجدهم إلا في المطعم أو بهو الفندق أو السهرات كأول الحاضرين. كل ذلك ضروري لأي مهرجان، بل أصبح عرفاً.

فالصحفيون يحضرون المهرجانات بدعوات – وهي حق مكتسب للصحفي والناقد- أو بتكليف بغرض التغطية الإعلامية للمهرجان، بما يتناسب مع عملهم ووظيفتهم الصحفية، ومعظم المهرجانات تحقق من خلال ذلك حضوراً في الصحف والمواقع، وقد تأتي بعض النجاحات من خلال التغطيات الصحفية التي يقوم بها الصحفيون، أكثر من أي شيء آخر، حتى لو كان معظمها سطحياً وعابراً، وهنا لا يمكن المفاضلة في الدور والوظيفة والمهمة وحتى النوع  بين دور الصحفي والناقد، فلكل منهما دور ووظيفة مختلفان عن الآخر، عليه أن يقدمه للمهرجان الذي قدم له

الدعوة.

ومع توالي المهرجانات السينمائية العربية في الأشهر الأخيرة من كل عام، يبرز السؤال المهم في علاقة الناقد السينمائي بالمهرجانات، التي هي دون أدنى شك تختلف عن علاقة الصحفي به، ولكل منهما دوره، فالناقد يحضر المهرجان لمشاهدة الأفلام والندوات، وكذلك اللقاءات مع الأصدقاء والسينمائيين، ويمكن القول أن المهرجانات تبدو الفرصة الوحيدة للناقد لمشاهدة الأفلام الجديدة، والمميزة والتي تأتي من مختلف بقاع الأرض الأمر الذي يتيح للناقد التعرف عن قرب على المنجز السينمائي العالمي هنا وهناك، وقد تتيح له هذه الفرصة تأليف كتاب عن التيارات الجديدة في السينما، وهو أمر قد لا يعني المهرجان، علماً أن الكثير من المهرجانات تقوم بتكليف نقاد معينين بتأليف كتب نقدية أو احتفالية بهذا المخرج أو تلك النجمة، ومع ذلك قلما تجد نقاداً عرباً في لجان تحكيم المسابقة الرئيسة في المهرجانات، أو حتى أنه يكون عدد النقاد السينمائيين المدعوين، قليلاً وحكراً على أسماء معينة، فمن غير المعقول مثلاً، أن يعرض المهرجان أفلاماً من العراق، أو سوريا ولا نجد ناقداً، أو صحفياً مدعواً للمهرجان للكتابة عنها وقراءتها قراءة نقدية في الصفحات والمجلات السينمائية المتخصصة، صحيح أن الأفلام تصنع للجمهور، لكنها تحتاج إلى ناقد يكتب عنها ويُوصل أفكارها إلى الناس.

تبدو هذه الظاهرة لافتة حقاً في معظم المهرجانات العربية، وهي حضور النجوم والأفلام وغياب النقاد، الأمر الذي يترك أكثر من علامة استفهام وتعجب، لماذا؟ 

الناقد هو من يعزز مكانة المهرجان وحضوره من خلال الكتابة عن الأفلام ونقدها وقراءة التحولات السينمائية والتيارات والتجارب وغيرها، وكلنا نعلم أن حضور نجمة من الصف العاشر، يكلف المهرجان 10 دعوات لنقاد وباحثين، والمهرجانات تصبح أكثر فائدة ومكانة وحضوراً بدعوتها لأصحاب الاختصاص والخبرة لإدارة أقسام المهرجان وتظاهراته وندواته، وكذلك لوجود النقاد وكتاب السينما الذين يحضرون الأفلام ويتابعون ويكتبون. 

ابحثوا عن النقاد واسألوا ولا تكتفوا بالمعروف والمكرس رغم أهميته ودوره ومساهماته الكبيرة في تطور السينما والنقد وتكريس مهرجانات بعينها لا يعتمد على النجوم والأفلام، إنما يعتمد كذلك على ما يُكتب عنها، مهما كان البلد الذي ينتمي إليه الناقد فقيراً بالإنتاج السينمائي، لكنه يمتلك صفحات ومجلات متخصصة بالسينما لها مكانتها وأهميتها.