المعادلة الموضوعيَّة للعالم تمثّلات الهويَّة الثقافيَّة للكائن البشري المعاصر

ثقافة 2025/02/02
...

  ميثم الخزرجي 

إن السرديات التي أشارت إلى عصر ما بعد الإنسان كثيرة ومتنوعة، بعضها يتخذ من ضياع الكينونة المؤسسة للكائن البشري وفقدان هويته، والأخرى تشير إلى أن البشر يسمو فوق هذه التقانات العلميَّة، وما هذه الاختراعات إلا عون لتسهيل عقبات الحياة اليومية المعنية به، لكن الذي يهمنا في حال انفلات السيطرة على هذه التقانات واتساع رقعة تواجدها مادياً ومعنوياً، هل تودي إلى نهاية العالم؟، وما الذي نقصده بنهاية العالم؟

، هل انقطاع سبل العيش يؤدي إلى ذلك أم أن الكوارث العلمية التي تحصل بسبب التفرّد التكنولوجي بحسب تعبير الفيلسوف السويدي "نيك بوستروم" هي التي تَهمل وتبيد دور الكائن البشري؟ أو لعل  النهاية بمعناها الجوهري تحدّ من الدور الحقيقي للإنسان وتنحّف من قدراته؟، كيف تكون الصلة بين التقانات العلمية المبتكرة والحقل المعرفي الجدلي الذي أفرد مساحة عظيمة لإعلاء شأن الكائن البشري وأضاء وجوده؟، هل ما زالت رؤية سقراط حاضرة من أن مساحة المعرفة لا تخضع لمقاسات محددة فيما اذا تنبأ الذكاء الاصطناعي وأصبح يستشرف بكنه الكائن البشري ويعيّن الأبعاد الصحيَّة والنفسيَّة له؟ وما طبيعة نظرية المثل لدى افلاطون إزاء المحسوس المادي أو العالم الحقيقي الذي لا ندركه أو نعيشه والذي اتخذه في متبنياته المعرفيَّة قبالة الابتكارات المعلوماتية الذكية التي اصطفت مع الإنسان ورافقته بل اشتركت في محاوراته؟، ما مدى أحقيَّة الرؤية التي تبناها نيتشه حيال تسمية الكائن البشري بالرجل الفوقي أو السوبرمان وبين ملاءمته لمستحدثات الواقع التقني؟، كيف ينظر العقلانيون إلى الجوهر (العقل) فيما إذا صارت الآلة ركيزة مهمة في حياة الإنسان من حيث الصوت والصورة واستحداث الأسئلة والأجوبة التي تعمّد الواقع؟، ما هو الفارق المعرفي الذي ينتج عن علاقتنا بالموجودات والطبيعة الكائنة في حال لو أصبح للذكاء الاصطناعي حضور فاعل وصار ممسكاً بهاجس الإنسان وجوهره؟، هل أن التطور التقني ينافس الإنسان ليخفّض من حقيقة سماته البشريَّة؟ وهل على العلماء أن يراعوا الإنسان في ابتكاراتهم التي تمس الطباع البشريَّة؟ إذا ما الذي نريده من العلم والعلماء في قادم الأيام؟، هل تأثرت الايديولوجيات والحركات الطليعية واللاهوتية بوصفها أجندات لها نظامها التي تحاول أن تعزز مكانتها على أرض الواقع عن طريق الكائن البشري بالتطورات التقنية التي فرضت هيمنتها على المحيط؟، ولو تنبّأنا بولادة عالم يعزز مكانة الآلة الذكية، كيف ستكون نهاية هذا العالم؟، هل يأكله اليباب البشري؟، وهل ثمة عالم مغاير له مدونته الثقافيَّة؟، ومن الذي سيكتب هذه المدونة يا ترى؟، العقل البرمجي الآلاتي، أم البشري المنهمك بالبيانات الوافدة التي جرّده من هويته؟، ما هي حقيقة الخوف من الموت؟، وكيف سيكون موت الكائن البشري في حال لو آمنا أن العقل المعلوماتي البرمجي يعيّن المخاطر الصحية للإنسان؟، هل أن المقدرة الذهنية والمدركات الحسيَّة بالنسبة له باستطاعتها أن تستوعب سرعة التقانات في الأداء والكيفية أم أنها تنصاعُ من دون مقاومة لتكون مسورة بجملة من الأغلال البرمجية التي لا تخضع لمناسيب الطبيعة والحياة؟.

إنَّ الحقائق الرياضياتية التي أنتجها الأوان المعلوماتي بتقاناته المبتكرة هي خلاصة لجميع الفلسفات والعتبات المعرفية ليكون التوجيه القادم للعلم، فما هو جديد في طرحه التقني سوف يشكل منظومة ثقافية للكائن البشري والذي بدوره يتماهى مع الوسائل الذكية التي يتعامل معها لتقدم له الخدمات، لكني أنظر إلى كنه هذه الخدمة التي تهبها له هذه الوسائل، ولو أجزنا لأنفسنا أن نعتبر مشروعية الحياة المتمثلة بالإنسان والابتكارات التقنية بوصفها معادلة منطقيَّة من المفترض أن تنصف الطرفين، فما هو مقدم لك من طرف واحد من الواجب أن ترده وهكذا دواليك، لكن ما الذي يبديه الكائن البشري لما تقدمه الآلة الذكية؟ هل بإمكانه أن يمنحها سمة بشريَّة؟، وهذا من غير المعقول مطلقا؛ لذا فإن الكائن البشري يعتمد عليها اعتمادا كليا، ولعلنا نوكل ذلك الأمر إلى العادة أو المراس الذي يشكل سياقاً عاماً له، ومما لا شك فيه أن الاعتبارية القيمة تكون متوقدة حيال المهمة التي تفضي الى حل عبر هذه الوسائل؛ لذا سيثمر نزوعاً عفوياً بالحاجة الماسة إليها، وقد يصاب الكائن البشري بالوحشة والاغتراب في حال لو فقد أيا منها، ولو استقرأنا الحال منذ أول اختراع علمي أو تكنولوجي سهل مهمة الإنسان إلى يومنا هذا، فمن المفترض أن لا نصاب بالعجب في حال لو تفشّت الآلة وأصبحت تمثل حيزاً كبيراً في الواقع، لكن الذي غيّر فكرة الكائن البشري المعاصر هو ظهور أنظمة التشغيل الفائقة السرعة في الحواسيب اللوحيَّة وحزم الأنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي التي استطاعت أن تجتاز الوقت في كيفية الإمضاء بالعقبات المتعلقة به، فضلا عن الابتكارات المعلوماتية التي تعيّنها برامج المحادثات الذكية والكاشف التقني الذي يحدد الطلب عبر ما يدور في الذهن أو يختلج في الشعور الجوّاني للنفس البشريَّة، وهنا إشارة إلى الافتضاح الجوهري لدى الإنسان وقد يشكّل ذلك الاحساس خوفاً وهيبة بل سمة عامة تتناقل بيولوجيا لتهيئته بصورة مغايرة.

إنَّ الاختراعات الحديثة التي أسهمت بشكل فاعل بتدوير الحياة وجعلها عبارة عن كود برمجي قابل للانشطار والتي ارتبطت ارتباطاً كلياً بمآل الكائن البشري لتكون الصلة المعلّقة ما بين الشيفرة البرمجية والإنسان واحدة، ولعلّي أجد أن أي تغيير في هذا الكود سوف يؤثر تأثيراً واضحاً على الوحدة الثقافية له، وهنا يكون التعالق بين طرفين برمجي ومادي الأول يحمل سمات رياضياتية لا تتعاطى مع العاطفة والثاني بشري له هيكليته المؤثثة بالأنساق الجوانية المتمثلة بالمشاعر والأحاسيس فضلا عن العقل على الرغم من انهماكه بمستحدثات الواقع الالكترونية لتحصل عملية تكييف تأتي بمراحل مفاهيميَّة متتابعة تستكشف مدخلات الإنسان الذهنية، بل تتمكن من نظامه الثقافي لتعيد صياغته بواقع تفرضه عليه الآلة، ليكون حضوره متسقا بحاجته الفعلية لها، لذا يكون العالم بطبيعته عملياً بل نفعيٌّ له آصرته المعرفيَّة التي لها تمثلاتها الفكريَّة المعينة التي توجب عليك الانسجام مع مخرجات الآلة الذكيّة، من ثم يكون هناك تأسيس لعالم نوعي، عالم خالٍ من أي حياة لها ارتباطها بالطبيعة والتضاريس كونه محكوماً بدوائر منطقية صرفة، ولعلي أجد أن ثمة استحداث أو تغيير سيحصل من ناحية اللغة والألفاظ المشكلة للبناء العام للجملة، بل حتى طريقة الاستفهام عن الموجودات والنظر لكثير من المرجعيات الفكريّة والعقديَّة التي تحيط الكائن البشري بحسب النتائج التي تدخرها لنا الوسائط الذكية البرمجيَّة، وهنا تتضح لنا جملة من المفاهيم الجوهريَّة التي تعنى بصيرورة الكائن البشري من حيث النشأة والتربيَّة والاكتساب.