تجلِّيات المينيماليزم في {شهرزاد}

ثقافة 2025/02/05
...

مهدي هندو الوزني

 بداية وقبل الدخول في معرفة تجلِّيات المينيماليزم في مقطوعة “شهرزاد” للموسيقار العراقي حسام الجلبي نعرج وبشكل مقتضب على مفهوم موسيقى المينيماليزم، تعرف حركة المينيماليزم بمفهومها العام بتجريد الأشياء واختزالها إلى أبسط شكل ممكن. وهي حركة فنية شملت الفنون البصرية والموسيقى, وظهرت بعد الحرب العالمية الثانية, وخاصة في الفنون الأميركية في ستينيات وأوائل السبعينيات، ومن الموسيقيين الأميركيين الذين ألَّفوا في هذا الأسلوب “فيليب جلاس وستيفن رايش” وغيرهم وفسَّر ظهور موسيقى المينيمايلزم على أنه رد فعل على كل من التعبيرية والتجريدية, وكذلك ردَّ فعلٍ على فوضى الحياة والطرز المتكلفة، كالباروكية والكلاسيكية التي تزدحم بالعناصر والتفاصيل. 

ويعدُّ المينيمايلزم اليوم هو فلسفة الاإنجاز, والسؤال هنا هل اشتغل المؤلفون الموسيقيون العرب في هذا الأسلوب أو الشكل الموسيقي؟ ربما هنالك اشتغالات موسيقية عربية لم نسمعها ولكن نلحظ تجلِّيات لبعض خصائص هذا النوع من الموسيقى في بعضها, ومنها مقطوعة “شهرزاد” للجلبي التي أخذت شهرة واسعة في الموسيقى العراقية حتى أنها أصبحت أيقونة لفرقة 14 تموز المسرحية في سبعينيات القرن الماضي. 

ألف الجلبي مقطوعته من مقام البيات واختار لعنونتها اسم “شهرزاد” من حكايات ألف لية وليلة, وجميعنا يعرف شهرزاد مع الملك شهريار وما تروي له من حكايا متتابعة الأحداث، وهذا ماحدا بالموسيقار لاختيار النسق التتابعي في بناء النسق اللحني للمقطوعة حتى تكتمل وتتطابق الصورة النغمية مع الصورة السردية في موتيفات قليلة ومتكررة, وفي بناء لحني غير معقَّد وبسيط مابين سلَّمٍ نغمي صاعد وهابط, وهذه إحدى خصائص موسيقى المينيماليزم. 

لقد استخدم الجلبي إيقاعاً واحداً على طول زمن المقطوعة وهو “المقسوم” ولم يشتغل على تنوع إيقاعي, وهذا يأتي بمفهوم الاختزال الذي تنادي به موسيقى المينيماليزم في اختزال التراكيب الإيقاعية وضروبها أو ضغوطها النغمية. لقد استخدم الموسيقار تقنية ( BZcato ) وهي العزف بالأصبع على أوتار آلة الكمان، في بِنية لحنية مبسَّطة ومتكررة, وفي مكان آخر من المقطوعة أعاد نفس الجملة اللحنية وبنفس الطريقة ولكن بتغيير بسط في النغمة. وهذا مشابه إلى إحدى خصائص موسيقى المينيمايلزم والمسماة “أوستيناتو” وهي الدوران أو التكرار المنتظم لموتيفات متغيرة وقصيرة وبسيطة ومتكررة. كما انتقل الجلبي قبل نهاية المقطوعة من مقام البيات إلى مقام الصبا في نسق لحني قصير وبسيط ومطابق للميلودي الرئيسي، وهنا نلحظ تشابهاً أيضاً لإحدى خصائص موسيقى المينيمايلزم والتي تسمى “التحول أو التغيير” وهي تقنية تحدث في البناء اللحني تغييرات بسيطة تكون أحياناً في نغمة أو إيقاع أو نسق لحني. كما اعتمد الموسيقار نغمة واحدة تنتهي بها موتيفات المقطوعة كافة, وهي ثابتة حتى النهاية وهذا مشابه لواحدة من خصائص موسيقى المينيمايلزم أيضاً, والتي تسمى “النغمة الواحدة” والثابتة على طول اللحن الموسيقي. 

أخيراً لم يشتغل الموسيقار حسام الجلبي على تأليف مقطوعة موسيقية بميلودي معقد التركيب ومتنوع الإيقاع وإنما اشتغل على ميلودي بسيط في بناءاته وقصير في موتيفاته مشابه لموسيقى المينيمايلزم وتقديمه للمتلقي/ السامع غير الموسيقي, ليخلق فهماً وانسجاماً مع ما يسمع من موسيقى وتذوقها جمالياً.