عدنان بريسم: {ثلثين الولد عالخال}

ثقافة 2025/02/05
...

 عصام كشيش 

 

كانت أمهاتنا وجداتنا تتزيين بـ (شيلة البريسم) باعتبار البريسم أحسن الحرير ويكاد البعض منهن يتفاخرن به. أمهاتنا اللواتي نأخذ منهن الصبر والدفء و(المحنة) الفائضة.

هكذا يذهب إحساسنا لهن دون وعي، هي الفطرة ربما أو تاريخنا السومري الممتد لآلاف السنين وامثلتنا الشعبية التي تقول ( ثلثين الولد عالخال ) حتى تطور العلم وأخبرنا أن المولود أو الجنين يحصل على مادة وراثية من الأم أكبر من تلك الممنوحة من الأب، يكشف أن المثل العراقي له دلالات موغلة في القدم في بلاد سومر وبابل واشور 

وكان أول مضمون هذا المثل في ملحمة كلكامش:

تبدأ الملحمة بالحديث عن كلكامش، ملك أورك الذي كانت والدته إلهة خالدة وهي الآلهة "تنسون" وابوه بشر فاني الكاهن "للا"، لذلك تم وصف كلكامش على أنه ثلثاه إله وثلثه بشر، و هذا هو الأساس للمثل القائل "ثلثين الولد على الخال".  

نذهب بكلنا الى أمهاتنا مشاعر وتاريخا وعلما وبريسما إن جاز التعبير ..

عدنان بريسم الفنان المتميز الذي يشبه خاله حسن بريسم إحساسا ورهافة وفنا، الذي يتمسك بكلكامش والتاريخ والتراث والعلم، ويخالف الثقافة الذكورة العربية التي تنتصر للرجل على حساب المرأة.

هو ذلك الشاب الذي امتهن الخياطة وتفصيل القماش بهندسة بارعة كما اجاد الموسيقى والمفردة العذبة والصوت المميز مائلا الى جينات خاله الفنان حسن بريسم . عدنان بريسم الذي فتح بوابة القلوب لمحبيه في ظهور عربي اول من خلال برنامج ذا فويز، والذي تلاعب باوتار صوته بموال خطف فيه قلوبنا بعدما تلاعب بها ليبدأ رحلة الفن والبناء لذاته (حجارة فوق حجارة ) ليقول أنا هنا دون أن ينكر البريسم حسن وتأثيره عليه في مجال الثقافة والرواية والشعر واللحن. إنه نكران الذات دون ضياع الهوية والبصمة، فالكثير ممن يتأثر بمسيرة فنان اخر ينساق دون وعي لتقليده صوتا وأسلوبا وربما حتى حركات جسده، لكن الفتى الذهبي استطاع ان يفصل بين عرفانه لدعم خاله وبين هويته الفنية الغنية الخاصة به، ولم يتعكز على شهرة الخال، بل صنع نفسه بعصامية واضحة لكل متابع ومحب للطرب والموسيقى .

نعم ما زال الطريق أمامه طويلا وحافلا بالعقبات والعثرات ربما، لكنني أجد شخصيا أن له وعي الفنان الذي يحقق هدفه ويمتع جمهوره بما لذ وطاب من مائدة الفن والغناء .

هنا اسجل ملاحظتي على تأثير البيئة أو حتى الجذور البيئية للعائلة في بلورة الصوت، فمثلا  الصوت الجهوري والقوي والمندفع والمتمكن في ضبط النفس  والتحكم بعده، يدل بشكل كبير على البيئة الجبلية  ويبرز بعض الصفات التي نجدها فيها، كالقوة والحزم والعنفوان والنخوة وقساوة وهدوء الطبيعة في نفس الوقت وهنا  بعض الأمثلة من أغاني وديع 

الصافي .

كما نجد البيئة الجنوبية حاضرة وموغلة في النفس وتقاسيم الصوت مثلما نجدها بصوت الكبير داخل حسن وهي حاضرة أيضا بصوت البريسم عدنان ببحة الصوت والعرب التي تضيف جمالا ودهشة لصوته.

بالنسبة لبعض الأشخاص، يأتي الغناء وحتى الاحساس بشكل طبيعي وعفوي وتلقائي، بينما يحتاج آخرون إلى التكلف وقضاء بعض الوقت والتدريب لمعرفة كيفية استخدام أصواتهم بشكل صحيح. 

والفنان عدنان بريسم من هذا النوع الذي يأتيه الإحساس من كل حدب وصوب دون تكلف وسهر، فالغناء يمس  الروح والقلب، يعتبر واحدًا من اساليب التعبير الانساني، ويتمازج مع كل افراحنا واتراحنا وله تأثير قوي وغريب ربما على كل من يستمع له فالاحساس الحاضر يتجاوز المفردة والصوت واللحن ويعكس عواطفنا الانسانية وانتماء الأغلب لهذا الشعور.

عدنان الناعم كالحرير ما زال يواصل مسيرته الخلاقة والمدهشة في عالم الغناء، ليضخ لنا نحن العطشى جمالا وعذوبة ورقة .