طالب سعدون
لم يستطع الانسان اليوم في اي بقعة ان يتجاهل ما يحدث في بقعة اخرى من ارض الله الواسعة من احداث بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة بفضل العلم والتكنولوجيا والثورة الصناعية والمعلوماتية. فهو يؤثر ويتأثر بها ويتابعها ويتحسب لها.
ولذلك كان الاهتمام العالمي كبيرا بتصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب للاستحواذ على غريلاند واستعادة السيطرة على قناة بنما، واعتبار كندا الولاية الامريكية 51 وتسمية خليج المكسيك بخليج امريكا.
هذه الطموحات وغيرها تعكس توجها امريكيا للتوسع الاقليمي والهيمنة العالمية تضمنتها خطاب تنصيب ترامب في العشرين من الشهر الماضي.. تعكس توجهه لربط السياسة بالجغرافية لتحقيق ما صرح به لإعادة تشكيل النظام العالمي ليس على صعيد السياسة فقط وانما في الجغرافيا ايضا وكأن العالم لا توجد فيه قوى أخرى غير امريكا وهي كثيرة.
يبدو أن نزعة المصالح الأمريكية وبناء عالم جديد بضوئها سيطرت على الرئيس ترامب فلم يعد يهتم بالتاريخ والايديولوجيا وعندها تكون السياسة عنده قد تجاوزت حدود جغرافية بلاده.. وهنا يكمن مصدر الخطر في التصادم وتهديد الاستقرار العالمي وليس الاقليمي فقط.
إن نزعة التوسع والمصلحة جعلت ترامب يعقب تلك التصريحات بتصريح آخر بدعوة مصر والأردن لاستقبال سكان غزة بدعوى (عدم وجود اماكن صالحة للسكن في قطاع غزة) بعد أن دمره الكيان الصهيوني في حربه التدميرية التي استمرت 15 شهرا.
هذه الدعوة يراد بها باطل.. فهو بدلا من أن يتبنى دعوة صريحة لتهجير الفلسطينيين ليعيشوا نكبة اخرى بعد نكبة عام 1948 التي وزعتهم في المنافي لاجئين والغرباء أصبحوا أصحاب الدار.. بدل ذلك كان عليه ان يتبنى مشروعا عالميا لإعمار غزة بعد أن دمرت بالكامل ويجبر الكيان الصهيوني على إيقاف عدوانه لكن المقاومة الباسلة استطاعت ان تفرض على نتنياهو القبول بالاتفاق وتفشل اهدافه المعلنة والمستترة وتجره إلى التفاوض ثم جاء الرد الشعبي بركانا من الغضب في زحف هادر من جنوب غزة إلى شمالها وان دمرت ديارهم، سيرا على الاقدام، في منظر مهيب تابعه العالم باهتمام.
طوفان غزاوي آخر يعد أبلغ وأسرع رد على ترامب في دعوة الغزاويين للنزوح وترك أرضهم وإصرار على التمسك بها وكرنفال جماهيري بالنصر كان له انعكاسه على الداخل الإسرائيلي عامة وبالذات اليميني، بعد أن شعر كل من فيه بالخيبة والخذلان من نتائج العدوان.
إن هذه الدعوة تحقق نزعة التوسع والعدوان الاسرائيلية على حساب دول اخرى. دعوة تلتقي مع المصالح الامريكية وتناقض القوانين والقرارات الدولية. لذلك رفضت بشدة ولها تداعياتها على الأمن والاستقرار الإقليمي.
ولتحقيق واحدة من تلك (الدعوات الترامبية) وهي إعادة تسمية خليج المكسيك بخليج امريكا أوضحت غوغول طريقة اظهار هذه التسمية على خرائطها (ان عبارة خليج امريكا ستظهر للمستخدمين في الولايات المتحدة، بينما تظهر عبارة خليج المكسيك للمستخدمين في المكسيك فيما يرى بقية العالم كلا الاسمين ) لكن الموضع اثار جدلا فقد اكد المتحدث باسم الامم المتحدة ان اعادة تسمية المواقع الجغرافية ومنها خليج المكسيك تخضع لأنظمة واتفاقيات دولية.
اذا كان بإمكان ترامب وهو يملك أغلبية جمهورية داخلية على مستوى الكونغرس ومؤسسات أخرى أن يطلق هذه التسمية ويثبتها في الوثائق الرسمية في بلاده فليس من صلاحيات اي دولة في العالم بمفردها ذلك، وبالتالي فهذه التسمية غير ملزمة للدول الاخرى.
ان نزعة توسيع المساحة واحتلال اراضي الغير تحت اي مبرر – لدواع امنية أو اقتصادية - مرفوضة وتشكل خرقا للنظام العالمي وقداسة الحدود وعودة إلى النزعة التوسعية ولها تداعيات خطيرة لانه اذا ما نجحت يكون من حق روسيا مثلا اجتياح أوكرانيا تحت ذلك العنوان وللصين ايضا مع تايوان ومن حق اي دولة اخرى ان تتجاوز القانون الدولي في نزاعاتها أو تحقيق طموحاتها وبالتالي يعيش العالم في فوضى وعدم استقرار.