خلوصي وزنكنة في المشغل السردي

ثقافة 2025/02/06
...

 كربلاء: صلاح السيلاوي


تناول المشغل السردي في كربلاء تجربتي القاصين ناطق خلوصي وصلاح زنكنة عبر جلستين متتاليتين.

الجلستان اللتان أقيمتا على حدائق أحد مقاهي كربلاء وسط المدينة تناول أعضاء مشغلها الأدباء عباس خلف وعلي حسين عبيد وإبراهيم سبتي فيها تفاصيل دقيقة من مناطق اشتغال تجربتي خلوصي وزنكنة والمحاور، التي تمثل وعيهما السردي والثقافي ومديات ما وصلت إليه التجربتان من أبعاد معرفية وفنية وثقافية.

تحدث أعضاء المشغل عن تجربة الروائي  ناطق خلوصي التي امتدت لأكثر من نصف قرن في ميدان الكتابة مشيرين إلى أنها كانت تجربة حيوية ثرية بالعطاء الفكري والأدبي والإبداعي.

وقال القاص والروائي عباس خلف عن تجربة خلوصي ما يلي: تنوعت في تجربته الاهتمامات بين الكتابة إلى المسرح مثل مسرحية "الخلاص" التي قدمتها فرقة مسرح كربلاء للتمثيل وكانت من إخراج الفنان الراحل نعمة ابو سبع عام 1970 إبان وجود الكاتب  في كربلاء مدرسا للغة الانكليزية ولأهمية هذه المسرحية سجلت  لتلفزيون بغداد عام 1971 تحت إدارة المخرج خالد المحارب، وكتب خلوصي في القصة اعمالاً مهمة مثل "الهجير، شجرة الأب"، وفي الكتابة الروائية كتب العديد من الأعمال منها: "منزل السرور"، و"الخروج من الجحيم" التي كان لي شرف الكتابة عنها في صحيفة العراق آنذاك 2001 و"المزار، وأبواب الفردوس،  اعترافات زوجة رجل مهم، وبستان الياسمين"  وغيرها من الأعمال الروائية وفي الترجمة ترجم رواية الاذربيجاني مقصود ابراهيم بيكوف "الخصام-  2007 " وكتب في النقد التلفزيوني  الذي برع في تجسيد رؤاه الفنية عبر سلسة مقالات سلطت الضوء على الاعمال الدرامية في العراق والوطن العربي بعد ذلك صدرت  في كتاب "الدراما العربية عام 2000" ولا يفوتنا أن نذكر مواقفة الإنسانية والحميمة إزاء إعادة طبع المجموعة القصصية الأولى "أصداء الزمن- 1938  " لعبد المجيد لطفي الذي يعد واحدا من الرعيل الأول وفيه إشارات الى كتابة القصة القصيرة جدا وقد قال عنها محسن الموسوي إن "هذه المجموعة تطرح النموذج الرومانسي الحافل بالحنين واحاسيس الفقر والحب والخيبة والألم والتمني"، وقد صدر الكتاب  ضمن سلسلة -عَلم وأثر- التي كانت تصدر عن الشؤون الثقافية العامة 2006.

القاص إبراهيم سبتي تحدث عن خلوصي قائلا: إنه أيقونة سردية عراقية اهتم بالكتابة المشهدية التي تعتني ببلاغة الكلمة ليس معجميا بقدر تحولها إلى صورة تتناغم مع عصرها ومحيطها وبيئتها فتكون انعكاسا حيا للواقع واشكالاته وأزماته كما رأينا ذلك واضحا في روايتيه "اعترافات زوجة رجل مهم، وبستان الياسمين"، فأن آلية المشاهد لم تسكن عند بؤرة الحدث بل تغوص  في ملابساته  لتعري لنا  الواقع وتكشف المستور.

أما الروائي علي حسين عبيد فقد قال: خلوصي من الكتاب القلائل الذين حافظوا على تقليد الكتابة الواقعية الانتقادية في أدبهم، وبقي متوازنا بين رمزية الحدث وواقعتيه ليشكل بهما حضوره الفني والأدبي، واغلب كتاباته الإبداعية غير مفتعلة أو مقنّعة؛ نجدها تلقائية وعفوية  وجمالها يكمن في هذه البراءة التي تمنح  المتلقي دفء القراءة.

وتناول المشغل السردي في جلسة أخرى له تجربة القاص صلاح زنكنة إذ تحدث في البداية القاص عباس خلف عن مضامين تلك التجربة فقال: إن أغلب قصص الكاتب تعتمد على  المفارقة "الخيال الممزوج مع الواقع" في تثوير واقع النص، يمتلك ذهنية ثاقبة في موجهاته الأسلوبية التي يتقن فيها تركيب الجملة والشعرية الملغزة بالإيحاء لتؤدي وظيفتها الفنية في الإضاءة، وهذا ما وجدناه في أغلب أعماله القصصية مثل "كائنات صغيرة، وعائلة الحرب، ولعنة الحمام، والصمت والصدى، وثمة حلم .. ثمة حمى"  وغيرها من الأعمال التي تتميز بالاستفزاز على الرغم من اختزال الكلمات وأعتقد لهذا السبب  لم يكتب في جنس الرواية لأنه يميل إلى الاختزال والتكثيف والتركيز. ثم تحدث القاص والروائي علي حسين عبيد عن  اللغة السحرية  في قصص زنكنة بقوله: كانت تسخر من الحروب العبثية بطريقة غرائبية ورمزية فيها نوع من التحدي للسلطة القمعية. تلك الحروب التي سرقت الشباب من احلامهم وطموحاتهم وقادتهم الى معارك مهلكة، أن القاص في "لعنة الحمام" يعكس الهواجس المؤرقة بلغة شفافة : "كوكوختي وين أختي وين أخوي وين أمي وين أبوي" بمثل هذا اللون الحجاجي يتدفق السرد ليقتحم ذاكرة القارئ. وتحدث القاص والروائي ابراهيم سبتي عن مجموعة "وجع مر" وهي آخر نتاج للقاص قائلا: إنها من الأعمال التي تأخذ من الحياة الاجتماعية المكتظة بالأزمات صيرورتها وحياتها وعالمها معبرة عن الوجع الإنساني، باعتقادي هذا العمل يعد وثيقة لأحداث مجلجلة مرت على العراقيين، إذ  في كل قصة  حكاية تترجم لنا واقعا مختلفا عن الاخرى وجميعها تلتحم  لتشكل وحدة موضوع  لذلك الهم الذي أصبح كابوسا يشمل الوحدة والعزلة والغربة النفسية، فالكاتب في هذا العمل وغيره من الأعمال السابقة، يجعلنا لا نشك في مثابرته وجديته في الإخلاص إلى الفن القصصي.  جدير بالذكر أن المشغل السردي هو مشغل نقدي حواري يهتم بقراءة وتتبع التجارب السردية العراقية والعربية ويتكون من ثلاثة شخصيات سردية ونقدية هم عباس خلف وإبراهيم سبتي وعلي حسين عبيد ويتخذون في كل مرة أحدَ المقاهي الكربلائية وسط المدينة مكانا لإقامة جلساتهم النقدية.