محمد غازي الأخرس
حسناً، إنه ليوم تاريخي، ابن اختي سجاد يتخرج من كلية طب القصر العيني في القاهرة ليكون أول طبيب في العائلة، عائلة آل غازي المتواضعة، الميالة عموما إلى التدريس والوظائف الفكرية.
اليوم، حين جلسنا على مائدة الغداء، حرضت زنوبة ابنتي على أن تلتحق بابن عمتها لتكون الطبيبة الأولى هي أيضاً. قلت ذلك مشجعاً رغم أنني مؤمن بقدرة المرء على التفرد في أي مجال يحبه، وهذا مفقود للأسف في ثقافتنا الاجتماعية هذه الأيام.
الجميع يريدون لأبنائهم أن يرتدوا الصدريات البيض، ليس لشيء سوى ضمان تعيينهم في الدولة، فالتخصص الوحيد الذي ما زال يقاوم عبارة "ماكو تعيين" هو الطب والكلية العسكرية وكلية الشرطة.
بل حتى المجموعة الطبية، ثمة أخبار بأن السنوات القادمة لن تكون مضمونة التعيين، فالعرض أكبر من الطلب بأضعاف، والمتخرجون سنويا أصبحوا يشكلون عبئا على الموازنات. الدولة تبدو متورطة فعلاً فهي ليست ملزمة بأحد لتزيد جيش موظفيها، العاطلين المقنعين.
دعكم من هذا وتعالوا لموضوع الطب والأطباء، فهذه الشريحة ارتبطت دائماً بالطبقة الأرستقراطية أو العريقة في المدينة. لم يكن للريفيين أو حتى أبناء المدينة المتحدرين من الريف طريق للطب إلا ما ندر، لاسيما في العراق الملكي.
راجع أسماء الأطباء وألقابهم العائلية لتعرف ذلك. إلا أن الأمر تبدل لاحقاً، وانفتحت بوابات جانبية صغيرة للأذكياء والطموحين في الطبقات المنسية. كان ذلك من بين النتائج العظيمة لاتساع رقعة التعليم بعد ثورة 14 تموز، ما أدى لتكافؤ الفرص، وهذا يحسب للأنظمة "الثورية" ذات النزعة الاشتراكية، التي جاءت عن طريق الثورات والانقلابات، وبغض النظر عما آلت إليه الأمور في الجوانب الأخرى.
بعد 2003، اختلت الخارطة تماماً، ورأينا أبناء الهوامش ينتقلون إلى المتون، وهؤلاء ألهموا من جاء بعدهم.
بالنسبة لعائلتنا البسيطة، واضح أننا تأخرنا كثيراً في دخول نادي الأطباء. لكن أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدًا..
يا للفرح ويا للفخر.