نبيه البرجي
ما هي المسافة بين أصابع دونالد ترامب والأزرار النووية؟ حين فكر بتوجيه ضربة نووية إلى كوريا الشمالية، واجهه قائد القوات الاستراتيجية الجنرال جون هايتن بإقفال الغرفة النووية في وجهه. الآن، وهو يفكر، بطريقة ما، بإزاحة الصين من الصراع حول قيادة العالم، هل يمكن أن يدعو أنصاره إلى اقتحام البنتاغون، على غرار ما فعلوه بالكابيتول؟
كلام لجيمس لندسي، العضو البارز في "مجلس العلاقات الخارجية"، كتب في "الفورين آفيرز" أن ترامب يريد، بسياسته التوسعية، اعادتنا إلى القرن التاسع عشر. في مكان آخر سأل "حين تتبعثر القوة الأميركية في الخارج كيف يمكن الاّ تتبعثر في الداخل؟". أصوات تحذر من "استراتيجية نهش الكلاب"، وحيث لا خطط أوكسترالية لترتيب الأولويات، بل ضربات عشوائية في سائر الاتجاهات. اذ تشكل الصين الخطر الحقيقي، كيف يمكن خوض أي صراع معها "... ونحن في تشتتنا الحالي، لينطبق علينا أحد مشاهد المسرحي النرويجي هنريك ابسن الراقصة والتنين". هنا التصدي للتنين بمفاتن الليدي غاغا" !
علاقات عدائية على الحدود الشرقية مع كندا، وعلى الحدود الغربية مع المكسيك، لتبدو أميركا الوسطى في حالة الهلع من الاستيلاء على قناة بنما، والعودة إلى جمهوريات الموز. ماذا على الضفة الأخرى من الأطلسي؟ غضب أوروبي يصل إلى حد العصيان ؟ وماذا على الضفة الأخرى من الباسيفيك، حيث التخوف من أن ينتقل دونالد ترامب من "استراتيجية الآلهة" إلى "استراتيجية القراصنة"، وتحت شعار أن النظام العالمي الذي قام بعد تفكك الأمبراطورية السوفياتية قد مات.
وزير الخارجية ماركو روبيو قال "إن النظام العالمي لم يعد مجرد نظام عفا عليه الزمن، بل أصبح الآن سلاحاً يستخدم ضدنا". لم يقل ما هو النظام البديل أو ما هي الفوضى البديلة. باحثون أميركيون يرون أن من المستحيل ادارة القرن بذهنية وحيد القرن. هذا ما كان يحصل منذ أن أعلن الرئيس جورج بوش الأب قيام النظام العالمي الجديد على أساس الاستقطاب الأحادي. للتو علّق زبغنيو بريجنسكي "... بل انها الفوضى العالمية الجديدة".
في نظر بريجنسكي أن ما من قوة تستطيع الاستئثار بإدارة الكرة الأرضية الا بالاستعادة العبثية لما كان يفعله آلهة الاغريق وآلهة الرومان. التكنولوجيا التي لم تعد "زاد الأباطرة" فقط، يمكن أن تأتي بمفاجآت هائلة. الصينيون والهنود يعملون بإيقاع هستيري ليكون لهم مقعد في مقصورة القيادة. بعد الـ Deep seek الصينية، ارتباك في وادي السيليكون الذي يرى فيه وزير الطاقة كريس رايت المضيق الوحيد للعبور إلى "الزمن الآخر". الآن أكثر من مضيق في "آسيا الجديدة" للعبور إلى "الزمن الآخر".
الطريف في هذا السياق قول الفيلسوف الأميركي دانييل دينيت أن الولايات المتحدة تعاني من نقص في "المخزون الميتافيزيقي"، ما يعيق عملية احداث ديناميكية قادرة على اختراق الأزمنة، ليسال ما اذا "كنا قد ارتكبنا الخطيئة المميتة بإبادة حضارة الهنود الحمر، التي كان يمكن أن تشكل السقف الميثولوجي للإمبراطورية الأميركية". الخوف من "عطل طارئ" أو تباطؤ الاداء في الخيال الأميركي...
عالم لا يمكن أن يساق بعصا قطاع الطرق، وسواء كان برتبة الإمبراطورة أو برتبة الكاوبوي. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلب المشهد الدولي، وحتى الزمن البشري، رأساً على عقب، كما يقول العالم السوري ـ الاسترالي اياد رهوان، المولود في حلب. علماء أميركيون يحذرون من "انفجار الأسطورة الصينية".
حملة في وسائل الاعلام الأوروبية ضد الرجل "الذي يستنزف عظامنا". التذكير دوماً بأن القارة العجوز وحدها التي تدعم الولايات المتحدة في ادارة العالم. هذا الكلام لا يروق لأتباع ترامب الذين يقولون "لولا أميركا لبقيت أبواب الزمن، وهي ابواب الحياة، مقفلة في وجهكم"، بعدما كان جون بولتون يقول إن بلاده هي التي أعادت تشكيل البشرية.
أين الشرق الأوسط في هذه الحال؟ هنري كيسنجر قال إن "الديبلوماسية هناك أقرب ما تكون إلى الحراثة في الغيب". كم حفر الأميركيون قبوراً في المنطقة، فهل يريد دونالد ترامب أن يحفر قبوراً أخرى؟ لعل انقلاباً حدث في رأس الرجل. في نهاية لقائه مع بنيامين نتنياهو، الثلاثاء الفائت، قال بالسيطرة الأميركية على غزة التي "يمكن أن تصبح ريفييرا الشرق الأوسط". رئيس الوزراء الاسرائيلي علّق للتو "انه شيء يغيّر التاريخ".
هل هو التخلي عن قرع الطبول بنقر الدفوف؟ قرار هائل بخنق ايران اقتصادياً، ليستدرك، ويبدي استعداده للقاء الرئيس مسعود بزشكيان، آملاً ألّا تكون هناك حاجة لاستخدام ذلك القرار بـ "عقد صفقة رائعة مع ايران يمكنها من خلالها مواصلة الحياة"، بدل الاختناق..
إنه الزلزال الأميركي في الشرق الأوسط. لا فلسطين، ولا فلسطينيون. أميركيون واسرائيليون فقط. للتو تعليق من الفيلسوف اليهودي الأميركي نورمان فلنكشتاين " أيها الرئيس، ترجّل عن ظهر الشيطان" !!