نزار عبد الستار
لا يحتاجُ تداولُ غلافِ كتابٍ ما سوى إلى صورة بخلفيَّة أنيقة. بعضهم يضعُ فنجان قهوة وطبق بسكويت وهناك من يستثمرُ حبات البن المحمص ويجلب جمهوراً وأرفف كتب.
لم يعد الناقد الأدبي هو المتفضل والقائم على الشهرة فدخول الصورة في المشهد الثقافي حيَّدَ المنطق وخفف من النضال والكفاح وجعل اللمعة مُيّسرة أكثر من أي وقتٍ مضى والموهبة غير مرحبٍ بها. لو قارنا بين منصة النشاطات التابعة لاتحاد الأدباء وبين الملتقيات الترويجيَّة في المقاهي سنكون أمام مسيرة زمنيَّة طويلة بين الكلاسيكيَّة والحداثة. لم تعد المنابر تشغل بال أحدٍ إلا بقدر ما يتوهمه الشاعر أو يحلم به الخطيب. سرعة التداول أجبرت الأصوات على الانسحاب لذلك ليس على غلاف الكتاب، إلا أنْ يظهر كثيراً على المنصات الالكترونيَّة كي يكون مهمَّاً وجاذباً لفضول القراء. يمكن ببساطة حشد الكثير من الأفكار، لكنْ يصعب جداً تغيير الشكل التقليدي للنشاطات التي تجذب كبار السن بدواعي تحريك المفاصل والتعبير عن الوفاء لصداقات الشاي والسجائر. يمكن بسهولة وضع الكتاب في حقيبة يدٍ أنيقة أو مع مجموعة كبيرة من أدوات التجميل ويمكن التقاط صورة له وهو في مطار اسطنبول. بشيء من الرهافة، ورفقة الأناقة الشفافة والبسيطة مع لمسات الأيادي الناعمة، يمكن للكتاب أنْ يشتهرَ ويصلَ إلى كل مكان.
الناقد الذي نبت الشعر في أذنيه وثقلت عليه نظارته سيضطرب كثيراً في الكافيهات الثقافيَّة ولن يحسن التصرف مع اللاتيه والماكياتو والكورتادو ولن يكتشف أنها قهوة بالحليب. ليس من المهم معرفة ما جرى هناك وماذا قال الأديب الشهير أو الروائيَّة الفذة المهم أنْ تتكلم الصورة بلا أصواتٍ وتبدو الأناقة واضحة وأنَّ كلَّ من يظهر في الإطار يضعُ عطراً غالياً، ومنتبهٌ بطريقة بديعة.
لم يعد تزاوج الصورة مع الصوت قضيَّة جدليَّة. لا أحد سيسأل، وربما غياب الصوت سيستر الكثيرَ من المداخلات الساذجة ولا يكشف أنَّ العديد من الجالسين يبحثون عن الدفء، وأنَّ بعضهم كان يتمنى في الزمانات الماضية أنْ يكون مثقفاً وصعب عليه الأمر وقتها، والآن سيحسب على المثقفين ما أنْ يتمَّ تداول هذه الصورة.