ميادة سفر
لا شكّ أن التراكم المعرفي والقرائي يجعل من القارئ محترفاً وخبيراً في كثير من الأحيان أثناء انتقائه للكتب التي يريدها والعناوين التي يبحث عنها، وقلة من القراء لا يولون أهمية للمترجم، وهم يتصفحون عشرات الكتب التي تغص بها المكتبات وتحملها الرفوف، ولأن اسم أسامة منزلجي بات غنياً عن التعريف فإنه لرحيله وقع الصدمة على القراء الذين سيفتقدون قلماً لمترجم مخلص وأمين في كل ما نقله إلى العربية.
لا يمكن لقارئ شغوف إلا ومرّ بين يديه أحد الكتب التي تحمل توقيع أسامة منزلجي مترجماً، الرجل الذي لم يكن يعلم وهو يخط أولى ترجماته أنّ ما قام به ترجمة، يوم خطت يداه رواية فرجينا وولف لتبق في إدراجه حتى اهترأت، كانت تلك محاولته الأولى ليصير واحداً من أشهر المترجمين العرب وأكثرهم إنتاجاً، متمنياً أن يترجم أكبر عدد من الكتب حين قال في لقاء معه للعربي الجديد مضيفاً أمنيته "أن تصبح الكتب تحت أنف كل عربي لينهمك بالقراءة".
في غرفته التي قلماً خرج منها وهو الانطوائي باعترافه "أنا شخص غير اجتماعي" وقليل الكلام "ولدت لأكون مصغياً"، ترجم عشرات الكتب لهنري ميلر وهرمان هسه ونيكوس كازانتزاكي وغيرهم من كتاب حرص على أن يقترن اسمه بهم، وهو الذي "لا يريد أن يقترن اسمه بما يسيء
إليه"، كان ينتقي ترجماته
بعناية فائقة وحرص شديد لتبقى في الذاكرة لأن الترجمة مسؤولية، مبتعداً عن الكتب الرائجة التي لا غاية منها إلا الكسب المادي والتفاهة، يقول في إحدى لقاءاته: "يهمني بالدرجة الأولى الكتاب الإنسانيون، المهتمون بالمصير الإنساني والمعاناة الإنسانية في هذا العالم"، مبتعداً عن تلك الكتب التي تجد إقبالاً كبيراً لدى الجمهور لأن "لها سمعة مريبة".
في مدينة اللاذقية السورية ولد أسامة منزلجي عام 1948، سيحصل عام 1975 على إجازة في اللغة الإنكليزية من جامعة دمشق، ليرحل منذ أيام عن 77 عاماً شغف خلالها بالقراءة والكتاب والترجمة، محاطاً بعشرات الكتب في غرفة كان يمضي فيها عزلته، وإلى عزلة أبدية يرحل تاركاً للقارئ العربي الكثير من الكتب التي ستحفظ اسمه بين الخالدين، وهل أفضل من الكتاب سبيلاً للخلود في زمن عمت فيه التفاهة وقلّ فيه الإبداع.