سلام مكي
إن ادراج عبارة: تفسير نصوص الدستور، ضمن اختصاصات المحكمة الاتحادية التي نصت عليها المادة 93 من الدستور، يأتي اعترافا من المشرع، بأن هناك نصوصا يكتنفها الغموض، أو تحتمل التأويل، أو ذات وجوه متعددة، تضمنها الدستور، وهي بحاجة الى كشف وإبانة، خصوصا اذا كانت هناك حاجة لتطبيقها من قبل السلطة التنفيذية أو التشريعية.. ويبرز دور هذا الاختصاص المهم للمحكمة الاتحادية، بشكل واضح وجلي، كلما كان النص الدستوري أكثر غموضا وإبهاما، احتمل وجهين أو أكثر، فهنا سوف تحتاج السلطة السياسية حين تريد تطبيق ذلك النص الى وجه واحد أو حقيقة واحدة، كي تطبقها على الحالة المعروضة امامها، ونتيجة لنشوب نزاع بين السلطات أو بين الفرقاء السياسيين، ولرغبتهم في حسم ذلك النزاع، سيتوجهون الى المحكمة الاتحادية، بوصفها السلطة المختصة، في قول الكلمة النهائية في الكشف عما قصده المشرع وما أراده، حين وضع ذلك النص. وهنا يبرز السؤال: هل ان المحكمة الاتحادية تكشف غايات واضعي النص الدستوري، مهما كانت؟ أم إنها تكشف الغايات التي يقصدها الدستور نفسه، بعيدا عن نوايا واضعيه؟
إن الدستور العراقي تم إقراره في وضع سياسي وأمني واقتصادي مأزوم، وظرف عصيب، حيث ان مؤسسات الدولة لم تتشكل بعد، والرؤية السياسية لواضعي الدستور، لم تتبلور في موقف معين، لذا فإنه من غير المؤكد أن واضعي الدستور، كانوا في ظرف مناسب وفكرة متكاملة كي يشرعوا نصا دستوريا، قادرا على استيعاب التحولات السياسية والادارية التي سيشهدها البلد، لاسيما وان الوضع الحالي يختلف بشكل جذري عن الوضع الذي تم فيه إقرار الدستور.. فهل ان وظيفة المحكمة الاتحادية هي الكشف عن مقاصد المشرع في تلك الفترة؟ أم وظيفتها الكشف عن المقاصد التي يوضع الدستور من أجلها بعيدا عن طبيعة واضعيه وخلفياتهم وميولهم السياسية؟
إن اختصاص تفسير الدستور، رغم أنه يأتي بالمرتبة الثانية بعد اختصاص الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة والتعليمات، لكنه لا يقل خطورة واهمية عن الرقابة على دستورية القوانين، فعلى المحكمة حين تريد الخوض في تفسير نص دستوري معين، ان تبتكر نصا دستوريا جديدا، وتصيغ نصا آخر، كاشفا للنص الأصلي، لا يخرج عن مضمونه ومحتواه، وفي الوقت نفسه، يحقق الهدف من تفسير الدستور، وقد تلجأ المحكمة حين تجد نقصا في النص المراد تفسيره الى إكماله ووضع نص جديد يكمل النص الأصلي، أو إنها تقوم النص وتتجاوز عيوبه، حين تجد أن بقاء النص على حاله يسبب ضررا وحرجا للسلطتين التشريعية والتنفيذية وحتى لها. ان الرأي الذي تطرحه المحكمة الاتحادية بخصوص تفسير نص دستوري، هو رأي ملزم ليس للجهة التي طلبت ذلك الرأي بل، للجميع، فالمادة 94 اعتبرت ان القرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية باتة وملزمة لجميع السلطات.
ان المحكمة الاتحادية، تختلف عن جميع السلطات الأخرى، حتى مكونات السلطة القضائية، وهذا الاختلاف يتمثل بعدم خضوعها للرقابة من قبل جهة أخرى، فكل السلطات، التشريعية مثلا مجلس النواب، هناك رقابة على قراراته من قبل المحكمة الاتحادية نفسها، السلطة التنفيذية، الحكومة، هناك رقابة عليها من قبل البرلمان ومن قبل القضاء في بعض الأحيان، الادارة هناك رقابة عليها من قبل القضاء الاداري، مجلس القضاء الاعلى، هناك رقابة عليه من قبل المجلس نفسه. أما المحكمة الاتحادية وحسب المادة 94 من الدستور، فإن ما تصدره من قرارات تكون باتة وغير قابلة للطعن ولا النظر بها مجددا، وهذه السمة، تجعل من تشكيل المحكمة وقانونها وعضويتها، كياناً في موضع عناية كبيرة من قبل المشرع، بغية سن قانون قادر على تشكيل محكمة اتحادية تأخذ على عاتقها هذه المسوؤليات الجسيمة.