أصبحت قصص الخيال العلمي جزءا مهما من مسيرة وتاريخ القص الحديث، فقد صار لهذا النوع القصصي الجديد كُتّابُه، وقرّاؤه. كما أسهم الاقتباس عنه للسينما والرسوم المتحرّكة في دعم وشيوع هذا النوع القصصي الذي يعدّ من أحدث الأنواع القصصية ضمن سيرورة السرد القصصي العالمي عامة.
أما بالنسبة لعالمنا العربي فلم يكتب لهذا النوع القصصي الانتشار والشيوع كما في (أوربا- أميركا- اليابان). فقلة من القاصين العرب يكتبون قصة الخيال العلمي على هامش نتاجهم القصصي، أما الذين يتفرّغون لهذا النوع فنادرون، ولعل من أشهرهم (نهاد الشريف) من مصر و(طالب عمران) من سورية.
ولا شكّ في أن عدم تجذر قصة الخيال العلمي في أدبنا العربي يعود لأسباب عدة، لعل أهمها: إننا مستهلكون للتقنيات العلمية، ومتلقون سلبيون للإنتاج العلمي عامة، فلسنا فاعلين في مسيرة التقدم والاختراعات العلمية الحديثة. فضلا عن أنّ الخطط التدريسية والتربوية لا تدعم التفكير العلمي التطبيقي.
ولا تولي الجهات المختصة عناية خاصة لكتاب الخيال العلمي باعتبارهم يفتحون آفاقا جديدة أمام العلماء، وهذا تقليد موجود في الدول المتقدمة علميا. فضلا عن قلة الثقافة العلمية عامة، وبذلك لا يتمكن كتاب القصة القصيرة من الإبداع في مجال قصة الخيال العلمي، كما لا يستطيع القرّاء تذوق هذا النوع القصصي الذي يحتاج إلى ثقافة علمية جيدة، فضلا عن الثقافة الأدبية.
من أبرز الموضوعات، وأشهرها، في قصص الخيال العلمي، تلك التي تتناول سكان الكواكب الأخرى في المجرات، وتقدمهم قصص الخيال العلمي بصفتهم الأكثر تطورا على الصعيد التقني من سكان الأرض، وأنّهم الذين بادروا باكتشاف الأرض.
وغالبا ما تقدمهم تلك القصص باعتبارهم كائنات حية تختلف عن البشر، فهم عادة يمتلكون رأسا كبيرا بالنسبة إلى أجسادهم الصغيرة، في دلالة واضحة على أنهم يتمتعون بأدمغة ذكية، ولا يعتمدون على القوة العضلية. وتكون عيونهم ذات أشكال غريبة تمكنهم من الرؤية لمسافات بعيدة، أو حتى من الرؤية من خلال الأشياء. أو دون أنف، لأنّهم لا يعتمدون على الأوكسجين في
حياتهم.
وإذا كان لديهم فم فقد لا يكون فيه أسنان، لأنهم لا يتغذون عن طريق الفم، باعتبار أفواههم أداة للتكلم أو لإطلاق أصوات معينة فحسب، وغالبا ما تكون أصواتهم خافتة، لاعتمادهم التواصل عن طريق التخاطر النفسي، أو أجهزة الاتصال، أو أنها قريبة الشبه من الآلات الناطقة لأن سكان الأرض يرون فيهم مستقبل الآلات التي يصنعونها.
وعلى الرغم من تمتع رجال الفضاء بمواصفات ومهارات تفوق الإنسان، فإنهم يبدون كنسخة متطورة عن البشر من جهة، ومتأخرة عنه من جهة أخرى؛ فإذا كانوا يتميزون بطاقات فوق بشرية، فهم يفتقرون إلى الوسامة، فحتى الآن لم تتفتق العبقرية البشرية عن صنع كائن يفوق الإنسان جمالا، وهذا الموضوع على أهميته لم يتناوله حتى الآن -على حد علمي- أدباء الخيال العلمي!.
وقد يكون سكان الكواكب الأخرى طيبين، يريدون مساعدة الإنسان الذي يعد متخلفا تقنيا عنهم، باعتبارهم أصحاب المبادرة في التواصل مع الجنس البشري. وهذا النوع من القصص يكشف عن جوانب الحياة المتخيلة لسكان الفضاء.
ولكن أغلب قصص الخيال العلمي تقدم سكان الفضاء بصورة الغزاة الأشرار الذين يريدون السيطرة على كوكب الأرض، ليس لضيق الكون حتما، ولكن للمواصفات التي تتمتع بها الأرض، وهي غير متوفرة في كوكبهم، أو لأنهم خسروا كوكبهم نتيجة اصطدام نيزك عملاق به. وقد تكون مخططات سكان الفضاء قتل البشر للتخلص منهم، أو استعبادهم وتسخيرهم لخدمتهم.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن بعض قصص الخيال العلمي تقدم رجل فضاء واحدا- أحيانا مجموعة قليلة- زار الأرض عن طريق المصادفة، ربما بسبب عطل طارئ في المركبة الفضائية أدى إلى انحراف خط سيرها. كما تعتمد هذه القصص على إبراز المفارقة لدى رجل الفضاء عندما يحاول العيش على كوكب الأرض.
وعادة تختتم هذه القصص بعودة رجل الفضاء إلى كوكبه. ومن الجدير بالانتباه أن أغلب قصص الخيال العلمي لا تقدم مشروعا للتعايش السلمي بين سكان الأرض وسكان الفضاء، سواء على الكواكب البعيدة، أم على الأرض التي يبدو أنّها بالكاد تتسع لسكانها
المتحاربين!.