المناهج الدراسيَّة بوابة للتعايش

العراق 2019/07/16
...

حسين رشيد
التطور التكنولوجي والمعرفي والاكتشافات الهائلة التي تكاد تكون بشكل يومي جعلت من الضروري مواكبة هذا التطور، فلنأخذ تجربة اليابان بعد خسارتها في الحرب العالمية الثانية، غيرت على الفور من خارطة تفكير حكومتها, لانها توصلت الى ان المواجهة غير متكافئة لذا شرعت ببناء نظام تعليمي متطور وواعٍ لفهم كل مرحلة بعد سنين قطفت ثمار هذا النظام وباتت في صدارة دول العالم. لست بباب المقارنة مع اليابان او الحث للسير على خطاها فهذا ضرب من الجنون لكن فقط لنستفيد ولو من قشور التجربة ونضعها امام 
اعيينا. 
يمكن الجزم إن المناهج الدراسية ومجمل العملية التعليمية والتربوية كانت على طول الخط خاضعة لإرادة السلطة، وليس الحكومة أو الدولة كما يفترض ،فالعراق بما شهده من جملة متغيرات في العملية التعليمية والتربوية على مر المراحل السياسية كانت سلطوية. إذ عملت كل سلطة فائزة على محو انجازات من سبقها وتشويهها مهما كانت تلك الانجازات، وأخطر ما حصل ان الايديولوجيا البعثية صاغت العملية التعليمية والتربوية بنفس تعبوي ضيق وروجت لجملة من الافكار الهدامة للمجتمع والتي سرعان ما طفت على سطح الواقع العراقي بعد 
نيسان 2003.
طريق التقدم على أسس معقولة لتحقيق انتقالة نوعية في الأداء الاقتصادي والسياسي والثقافي, انتقالة تدفع بالعراق الى طريق خلق مجتمع الرفاهية والتحضّر فيجب البدء من مناهج الصف الأول الابتدائي صعودا الى الدراسات الأخرى وترسيخ اسس التعايش والسلم الاهلي في المناهج الدراسية والتمسك بمكونات المجتمع ورفض كل ما يحث على الكره والتفرقة وبشكل خاص في كتب التربية الاسلامية واللغة العربية والتاريخ وهو درس اشكالي خطير يحتاج لمراجعة شاملة وتفحص الاحداث التي تدرس مع الاخذ بنظر الاعتبار من يقوم بعملية التعليم والتدريس.
نعم ليس السهل حل قضية اشكالية شائكة تعود الى قبل 1400 سنة من خلال جلسة او جلستين وحتى مئة جلسة بين من يريد التوصل الى تغيير هذه المناهج الدراسية التي من خلالها يمكن ان نبني جيلا عراقيا وطنيا واعيا ينتمي للعراق اكثر من انتمائه لهوية فرعية اخرى، ولكن هل من المقبول ان نضع في منهج التربية الاسلامية ما يعلّم الطفل ان الموسيقى محرمة وتبعاتها ذنوب كبيرة وان الشركاء بالوطن من الديانات الاخرى “مشركين وكفار” هل من المقبول أن ندرس الاطفال في الابتدائية تعاليم دينية تحث على مقاطعة الاخر دينيا ومذهبيا وطائفيا طبعا إن لم يجد هذا في المنهج فهناك بعض المعلمين والتدريسيين اخذ تلك المهمة على عاتقه، أو نتكلم في التاريخ عن انتصارات زائفة ونزوق في ذهنه الخيبات والهزائم والحروب الباطلة، والطامة الكبرى عدم تمسك المعلمين حتى بالمنهج والخروج عنه بحسب أهوائهم وميولهم، وهذه الطامة مثل كرة الثلج المتدحرجة إن لم يلتفت لها بوجه السرعة والدقة واخضاع هكذا معلمين إلى 
القانون. 
 أما الصعوبة فإنها تكمن في هذه الفوضى التي تضرب في كل زوايا الحياة اليومية للعراقيين من فساد إداري الى انقسام سياسي قائم على أسس طائفية بالدرجة الأولى ومدعّمٌ بثارات ثقيلة وضعتها الفاشية على كاهل الأطراف الناشطة في الحقل السياسي جميعها. 
ولذلك يجب الأخذ بالحسبان عند التصدي لمثل هذه المهمة العويصة أن تتخذ خطوات عملية لتحقيق التفاهم بين جميع الأطراف للوصول الى صيغة وطنية خالصة لإجراء التغييرات على المناهج التربوية وفي نفس الوقت لا بد من مكافحة الأمراض المستعصية التي يعاني منها العراق والتي تفسد كل شيء فيه مثل غياب القانون وشيوع الفساد وغياب الالتزام الوطني العام لدى البعض من اطراف العملية التربوية وحلول الالتزام الفرعي الديني او القومي او الطائفي 
محله.
ولكن الأكيد إن اصلاح العملية التربوية لن يُكتب له النجاح ما لم يجرِ إصلاح مماثل للاقتصاد وللقوانين وللنشاط الثقافي لرفع الوعي لدى عامة الناس والاهتمام بكل ما يرتقي بالحياة العراقية نحو ناصية التحضر المجتمعي الذي يرسخ السلم الاهلي والتعايش بين المكونات العراقية بتنوعها الديني والقومي والمذهبي الذي اعطى لبلاد الرافدين ميزة في غاية الاهمية والاثراء والتي يجب المحافظة عليها واغنائها 
لا محوها.